كالمصحف الشامي الذي كان على قراءة ابن عامر؛ لأنَّ مصحف الشام خالف كل المصاحف في نقص الواو -ومنها: المصحف الإمام مصحف عثمان، وبذلك يكون الرجوع لمصحف عثمان وما نقل عنه من المصاحف، وهو المصحف المجموع في عهد الشيخين أبي بكر وعمر، وحفظ عند حفصة، وهو أيضًا المتطابق مع المكتوب في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
وكذلك الأمر في زيادة "من" في قراءة ابن كثير، المتفق مع المصحف المكيّ وغيره من المصاحف، ومنه المصحف الإمام، على عدم زيادة من في الآية التي زيدت فيها في المصحف المكيّ.
وإن النتيجة لهذا أن نقول: إنَّ الأصل وهو المصحف الإمام مصحف المدينة يقبل ما يتفق معه، وينعقد الإجماع عليه، وما لا يتفق معه ينظر فيه، وربما كان رده أظهر لولا ما يقال من أنَّ القراءة بالزيادة ليست آحادًا، ولا شاذة، بل متواترة.
ومن أجل ذلك حاول القرطبي التوفيق بين الزيادة وحذفها، فقال:"وما وجد بين هؤلاء القرَّاء السبعة من الاختلاف في حروف يزيدها بعضهم وينقصها بعضهم، فذلك لأنَّ كلًّا منهم اعتمد على ما بلغه في مصحفه ورواه؛ إذ كان عثمان كتب تلك المواضع في بعض النسخ، ولم يكتبها في بعض، إشعارًا بأنَّ كل ذلك صحيح، وأن القراءة بكل منها جائزة".
رواة القراءات:
٢٢- كانت القراءات معروفة في عصر الصحابة -رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وقد تلقَّوها جميعًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا أن مصحف الإمام عثمان والإمامين من قبله، وما كتب في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- كان غير منقوط ولا مشكول؛ لكي يحتمل القراءات كلها، وليكلا يعتمد القارئ على المكتوب، بل يتلقى المقروء بالتلقي؛ ليصل السند إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وقد قال بعضهم: إنَّ الخط في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- كان غير منقوط ولا مشكول؛ لأنَّ العربية لغة بيان وإفصاح وتعبير، وانسجام بين ألفاظها، وتآخٍ بين أساليبها، فلا تعتمد على المكتوب بل على المقروء ونغماته، وتآخي عباراته من غير تجافي اللفظ عن المعنى، ولا المعنى عن اللفظ.
ولمَّا أخذت العجمة تغزو اللسان العربي ابتدءوا بنقط القرآن وشكله في عهد عبد الملك بن مروان من غير بعد عن القراءات، ومن غير اعتماد على المكتوب، بل يكون مع المكتوب ضرورة الإقراء من حافظ، وبذلك أمكن اجتماع الشكل والنقط مع الرواية وتواتر القراءة، وتعرُّف أوجه القراءات المنقولة عن النبي -صلى الله عليه وسلم، وكان في الصحابة من يقرئ الناس، ويعلمهم وجوه القراءات.