القتال بكل ضروبه دفاعًا وهجومًا، بل إنَّ خير الدفاع ما كان هجومًا، ولا سبيل لإنهاء القتال مع المعتدين إلَّا بإحدى خصال ثلاث: إما الإسلام، وأن يتوبوا ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، ويكونوا إخوانًا، وإمَّا بالعهد يعاهدونه ويوفّون به، فما استقاموا فالعهد قائم، وإلَّا فإنه ينطبق عليهم قول الله -سبحانه وتعالى:{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}[الأنفال: ٥٨] ، وإمَّا استسلام، أو يخضعوا لأهل الإيمان.
وقد قال تعالى في ذلك:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ}[محمد: ٧، ٨] .
إحداهما: إنَّ محاربة المؤمنين لأيِّ قوم لا تكون إلَّا عند اعتدائهم بإخراج المسلمين من ديارهم، أو إيذائهم في دينهم، ومن الإيذاء أن يمنع الدعاة إلى الإيمان من أن يلاقوا الشعوب، ويعرِّفوهم بالحق، ومن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر؛ لأنه لا إكراه في الدين، ولكن بعد أن يتبيِّن الحق من الباطل، والغي من الرشد، وذلك لقوله سبحانه وتعالى:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّن الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}[البقرة: ٢٥٦] .
الحقيقة الثانية: إنَّه إذا كان الاعتداء بأيِّ ضرب من ضروبه، فإنَّ باب الجهاد يفتح دفاعًا وهجومًا وغزوًا والتقاء، لا يمنع مانع إلَّا ما توجبه الفضيلة.
وقد فهم بعض الناس أنَّ القتال في الإسلام لا يكون إلَّا دفاعًا، ولا يكون هجومًا، وذلك خطأ، والحق أنَّ القتال لا يكون لقوم إلَّا إذا اعتدوا، فإن كان الاعتداء حل قتالهم دفاعًا وهجومًا، وهم في الحالين المعتدون إلَّا أن يتوبوا أو يعاهدوا ويستقيموا.
وليس قتال المؤمنين ليكون باب الدعوة إلى الإسلام مفتوحًا بعد الاعتداء من المؤمنين، بل هو رد للاعتداء؛ لأنَّ القتال لأجل الدعوة لا يكون إلَّا بعد أن يرسل المؤمنون دعاة للإيمان، فإن أجاب بعضهم، ولم يضطهد في اعتقاده، فإنه لا قتال، ومن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها، وإن اضطهد كان الاعتداء بالفتنة، فوجب القتال ردًّا للاعتداء بمثله.
وقد جاء الإسلام في عصر الملوك المتجبِّرين الذين كانوا يؤذون رعاياهم، فكان