منهم الاضطهاد لكل من تبلغه الدعوة ويؤمن، وما أرسل النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم- الجيوش إلى الشام إلَّا بعد أنِ اضطهد الروم المسيطرون المسلمين الذين أسلموا في الشام وقتلوهم، وما حارب الذين جاءوا من بعد الفرس إلّا لأنَّ كسرى حاول أن يرسل من يقتل النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم.
ويلاحظ من يتلو آيات الأمر بالقتال أنَّ فيها النهي عن الاعتداء، فالله تعالى يقول:{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[البقرة: ١٩٠] .
والاعتداء المنهي عنه قسمان:
أحدهما: الاعتداء بالقتال على قوم لم يعتدوا على المؤمنين، وهم الذين ما جعل الله عليه سبيلًا.
ثانيهما: الاعتداء في القتال، فيقتل من لا يقاتل، فيقتل مثلًا الشيوخ والنساء والذرية، فإن هذا اعتداء في القتال منهي عنه، ولذلك يقول الله تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}[البقرة: ١٩٤] .
وإنَّ من مقتضى هذه التقوى ألَّا يقاتلوا من لا يقاتل، وألَّا يقطعوا الأشجار، وألَّا ينتهكوا الأعراض، وألَّا يستبيحوا الأموال بغير حقها.
ويلاحظ أنَّ القتال في الماضي كان لا يتجاوز معسكر الحكام والجيوش، والعلاقة بين المسلمين وشعوب الملك أو الرئيس القاتل قائمة كأنه لا حرب والسلام قائم.
وأولئك الذين يحادّون الله ورسوله هم الذين حاربوا المسلمين، وأعلنوا العداوة وأخذوا يتربَّصون بهم الدوائر لا يرقبون فيهم إلًّا ولا ذمَّة.
وما عدا هؤلاء فإنَّ السلم هي العلاقة الدائمة والمودة إن وجدت مقتضياتها، وقد نصَّ القرآن الكريم على ذلك، فقال تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، إِنَّمَا