ونقف وقفة قصيرة عند هذه الآيات البيِّنَات، فنرى الله -سبحانه وتعالى- يبيِّن لنا أنَّ الأرض خلقها في يومين، واليوم هنا كما أشرنا من قبل ليس هو اليوم الذي نعرفه، وإنِّمَا هو الدور في التكوين، وهو كونها من السموات رتقًا، وهذا دور، ثم انفصالها وهذا دور ثان، ودوران آخران للأرض جعل فيها رواسي عالية، وهي الجبال، وخلق فيها الماء وما تبعه من خلق للأحياء من حيوان ونبات، فكانا أربعة أدوار.
ويبيِّن سبحانه أنَّ السماء والأرض كانت دخانًا، وهو ما نحسب أنه السديم الذي يقوله العلماء.
٢٣٢- وإن القرآن الكريم فيه إشارات بيِّنَات إلى علم الكون، ونعتقد أن الذين درسوا علوم الكون في السماوات والأرض وما بينهما لو تتبَّعوا آيات القرآن الكريم التي تعرَّضت لذكر الكون لوجدوا حقائق كثيرة ما وصل إليه العلم الحديث، قد تعرَّض لها القرآن بالإشارة الواضحة التي تجعل ولا تفصل، وهي في كلتا الحالتين صادقة كلَّ الصدق بيَّنَة لمن يطلب الحقائق الصادقة، وإن بضاعتنا في علوم الكون محدودة لا تسمح لنا بالخوض في كلامٍ تفصيلي في هذا، وقد رأينا كثيرين من العلماء المخلصين المحققين قد تعرضوا لهذا، فمنهم من بَيِّنَ طبقات الأرض، كما أشار القرآن، ومنهم من بَيِّنَ غير ذلك.
ونحن نرحب ببيانهم، ولكن لا بُدَّ من ملاحظتين:
الملاحظة الأولى: إنَّهم يحاولون أن يحملوا القرآن نظرياتهم، وعليهم أن يفهموه كما تبيّن ألفاظه، وكما تومي إشاراته؛ وذلك لأنهم أحيانًا يحملون القرآن ما لا يتحمَّل ويرهقون ألفاظه بالتأويل، وأحيانًا يأتون بنظريات لم تكن قد حررت من بعد من الشك والنظر، وقد تتغير، ولا يصح أن يبقى القرآن تتردد معانيه باختلاف النظريات، بل إنَّ الواجب أن ندرس ما في القرآن على أنه حقائق، فما وافقه من العلوم قبلناه.
الملاحظة الثانية: أن ندرس الكون في القرآن على أنه حقائق ثابتة هو مواضع التسليم من المؤمن بالله تعالى وبالقرآن، فلا تجعل حقائق موضع نظر، بل إن الإيمان بالقرآن يوجب الإيمان بكل ما اشتمل عليه، ولا يصح لنا أن نترك ظاهر القرآن ونتجه إلى تأويله إلَّا أن يكون الظاهر يقبل التأويل، وتكون حقائق العلم الثابتة تقتضي الأخذ بالتأويل الذي يحتمله القرآن من غير تعسُّف لا خروج بالألفاظ إلى غير معانيها.