للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قويًّا، وأصل الأصول المشتقة من كلام العرب، ونظمها وطبقها على القرآن، وثبت في التطبيق أنه أعلاها.

وهذا الكتاب يعدُّ أصلًا بنى عليه، فقد شرحه عبد القاهر الجرجاني المتوفَّى سنة ٤٧١هـ شرحًا مطولًا، وأودع ذلك الشرح كتابًا سمَّاه "المعتضد"، وله شرح آخر أصغر منه.

وهكذا كل كاتب يقيم بناء يكمله من يجيء بعده، فالواسطي أكمل البناء الذي وضعه الجاحظ، أو بنى عليه، وترك لغيره أن يكمل البناء.

وجاء عبد القاهر الجرجاني فبنى على ما وضع الواسطي، وكان كتابه دلائل الإعجاز قد أوفى على ما وضع الجاحظ والواسطي.

وفي الزمن الذي سار فيه الجاحظ والواسطي من بعده، والجرجاني من بعدهما، وانتهى إلى تلك الثورة المثرية في باب الإعجاز البلاغي للقرآن، كانت هناك محاولة أخرى، في طريق مواز لذلك الطريق.

فقد وضع أبو عيسى الروماني المتوفَّى في سنة ٣٨٢هـ كتابه في الإعجاز، فوضع بناء ثالثًا، غير بناء الجاحظ والواسطي، ثم جاء الباقلاني المتوفَّى سنة ٤٠٣هـ فوضع كتابه "إعجاز القرآن"، ويلاحظ أنَّ تاريخه سابق على "دلائل الإعجاز"، وأحسب أنَّ من الحق علينا أن نقول: إنَّ "دلائل الإعجاز" لم يبنَ على الوساطي فقط، بل إنَّه أخذ من كل الينابيع التي سبقته، وإنَّ القارئ له يجد فيه كل مزايا من سبقه، وفيه زيادة جديرة بالأخذ، بل أساس لعلوم البلاغة كلها مستقاة من القرآن، وموضِّحة لأوجه البلاغة فيه أولًا، وعلوِّه على كل كلام ثانيًا، ثم فيه وضع مقاييس ضابطة لكل كلام بليغ ثالثًا.

فكتاب الباقلاني قد تعرَّض للإعجاز بالمواجهة ابتداءً، ولم يسبق علم البلاغة ابتداء، ثم يتعرَّض للإعجاز انتهاءً، ولكنَّه جعل الأصل في الكلام الإعجاز، ثم البلاغة تابعة له تبعية الدليل للمدلول، والبرهان للدعوى، والمقدمة للنتيجة.

ويلاحظ على هذا الكتاب أنَّه لم يشر إلى ما سبقه إلّا الجاحظ، فقد أشار إليه إشارة لا تكريم فيها، ولكن فيها استهجان واستصغار لما كتبه، ولم يشر أي إشارة إلى ما كتبه الواسطي، وما كتبه الرماني، وقد سبقاه، وكان ثانيهما على مقربة من زمانه، مع أنه أخذ من الرماني قطعًا ولم يذكر اسمه.

ومهما يكن الأمر بالنسبة لمن سبقوه في القول، وإهمال ذكرهم، فهو الكتاب الذي اختصَّ بأن يكون في الإعجاز ابتداءً كما أشرنا، وقد وفَّى فيه بأمهات المسائل.

ويقول فيه الرافعي المتوفَّى سنة ١٩٣٧م في كتابه إعجاز القرآن: "على أن كتاب الباقلاني، وإن كان فيه الجيد الكثير، وكان الرجل قد هذَّبه وصفاه، وتصنَّع له، إلّا أنه

<<  <   >  >>