لم يملك فيه بادرة عابها هو من غيره، ولم يتحاش وجهًا من التأفف لم يرضه من سواه، وخرج كتابه كما قال هو في كتاب الجاحظ، لم يكشف عمَّا يلتبس في أكثر من هذا. وقد حشد إليه أمثله من كل قبيل من النظم والنثر، ذهبت بأكثره، وغمرت جملته، وعدها في محاسنه، وهي من عيوبه، ثم يقول:"وكان الباقلاني -رحمه الله وأثابه- واسع الحيلة في العبارة، مبسوط اللسان إلى مدى بعيد، يذهب في ذلك مذهب الجاحظ، ومذهب مقلده، على بعد وتمكن، وحسن تصرف، فجاء كتابه وكأنه في غير ما وضِعَ له؛ لما فيه من الإغراق في الحشد، والمبالغة في الاستعانة؛ والاستراحة إلى النقل".
والرافعي بهذا ينقد الباقلاني، ويصفه بمثل ما وصف هو به الجاحظ.
ومن حق العلم على العالم ألَّا ينتقص غيره، وأن يعرف اللاحق أنه متمم لما بدأ السابق؛ غير ناكر لفضل، ولا باخس لحظ.
وهكذا في عصر الباقلاني ومن بعده، حتى كان آخرها تأليفًا من حيث القيمة العلمية والدرجة البيانية كتاب "إعجاز القرآن" للرافعي -رحمه الله تعالى وأثابه وجزاه عن الإسلام خيرًا.