للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ان ما رواه البخاري أصح مما رواه غيره. ثانيهما ان راوي الخبر الاول وهو ابن مسعود كان مشاهد القصة من أولها الى آخرها كما تدل على ذلك الرواية الاولى، بخلاف الخبر الثاني فان راوية لم يشهد نزول الوحى وما راء كمن سمع «٥٩» .

واما الصورة الثالثة- وهي ما استوت فيه الروايتان فى الصحة ولا مرجح لإحداهما، لكن يمكن الجمع بينهما، بان كلا من السببين حصل ونزلت الآية عقب حصولهما معا لتقارب زمنيهما.

فحكم هذه الصورة ان نحمل الأمر على تعدد السبب لأنه الظاهر ولا مانع يمنعه. قال ابن حجر: «لا مانع من تعدد الأسباب» .

مثال ذلك: ما

أخرجه البخاري من طريق عكرمة عن ابن عباس ان هلال ابن امية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «البينة او حد فى ظهرك» ، فقال يا رسول الله، إذا وجد أحدنا مع امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة. وفى رواية انه قال: والذي بعثك بالحق انى لصادق، ولينزلن الله تعالى ما يبرئ ظهري من الحد فنزل جبريل عليه السلام وانزل عليه: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ حتى بلغ إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ

ةا هـ. سورة النور: ٦- ٩.

وقال مقاتل «٦٠» - وهو موافق لما أخرجه الشيخان عن سهل بن سعد- لما انزل الله تعالى، وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً.. وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ. إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم هاتين الآيتين في خطبة يوم الجمعة، فقال عاصم ابن عدى الأنصاري للنبي صلى الله عليه وسلم: جعلني الله فداك، لو أن رجلا منا وجد على بطن امرأته رجلا فتكلم- جلد ثمانين جلدة، ولا تقبل له شهادة في المسلمين أبدا، ويسميه المسلمون فاسقا، فكيف لأحدنا عند ذلك بأربعة شهداء؟ إلى أن يلتمس أحدنا أربعة شهداء فقد فرغ الرجل من حاجته، فأنزل الله عز وجل فى قوله:

وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ بالزنا وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ يعني الزوج أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ الى ثلاث آيات.


(٥٩) وفى هذا يقول السيوطي: «وقد رجح بان ما رواه البخاري أصح من غيره وبان ابن مسعود كان حاضر القصة» الإتقان: ١/ ٥٥.
بينما ذهب الزركشي الى ان آية وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ نزلت بمكة ثم تكرر نزولها فى المدينة، فهي مما نزل مكررا، البرهان: ١/ ٣٠، كما ذهب ابن كثير الى انها مما تكرر نزوله بمكة والمدينة، تفسير ابن كثير وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ والإتقان: ١/ ٣٤.
(٦٠) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث ٢/ ٣٤ ب. ٣٥ ا. وانظر تحقيقي له:
٣/ ١٨٣- ١٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>