للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الزركشي فى البرهان: «وقد ينزل الشيء مرتين تعظيما لشأنه، وتذكيرا به عند حدوث سببه خوف نسيانه» «٦٥» .

مثال ذلك ما أورده مقاتل فى سبب نزول قوله تعالى: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ... الى آخر سورة النحل: ١٢٦- ١٢٨.

قال مقاتل: «وذلك أن كفار مكة قتلوا يوم أحد طائفة من المؤمنين ومثلوا بهم، منهم حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقروا بطنه، وقطعوا مذاكيره، وأدخلوها في فيه. وحنظلة بن أبي عامر غسيل الملائكة. فحلف المسلمون للنبي صلى الله عليه وسلم لئن دالنا الله عز وجل «منهم» لنمثلن بهم أحياء، فأنزل الله عز وجل الآيات» «٦٦» .

وما أورده مقاتل قريب مما

أخرجه البيهقي والبزار عن ابى هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على قبر حمزة حين استشهد وقد مثل به، فقال: لأمثلن بسبعين منهم مكانك، فنزل جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بخواتيم سورة النحل، وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ الى آخر السورة.

وقد اخرج الترمذي والحاكم عن ابى بن كعب قال: (لما كان يوم احد أصيب من الأنصار اربعة وستون، ومن المهاجرين ستة، منهم حمزة فمثلوا به، فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يوما مثل هذا لنربين (اى لنزيدن) عليهم، فلما كان يوم فتح مكة انزل الله (وان عاقبتم) الآية..

فالرواية الاولى تفيد ان الآية نزلت فى غزوة احد، والثانية تفيد انها نزلت يوم فتح مكة، على حين ان بين غزوة احد وغزوة الفتح الأعظم بضع سنين، فبعد ان يكون نزول الآية مرة واحدة عقبيهما معا.

فلا بد لنا من القول بتعدد نزول الآيات. أول الأمر فى غزوة احد، وبعد ذلك عقب فتح مكة.

أقول. وقد لاحظنا ان مقاتلا كان يورد روايات صحيحة فى اسباب نزول الآية فى الصور الأربع التي ذكرها السيوطي فى الإتقان.

ففي الصورة الاولى- وهي الاعتماد على الرواية الصحيحة ورفض غير الصحيحة- كانت رواية مقاتل لسبب نزول وَالضُّحى، وَاللَّيْلِ إِذا سَجى، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى موافقة لما فى الصحيح.

وفى الصورة الثانية- كانت رواية مقاتل مرجوحة لا راجحة عند السيوطي.

فى حين ذهب الزركشي فى البرهان، الى ان وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ مما تكرر نزوله،


(٦٥) البرهان: ١/ ٢٩.
(٦٦) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث ج ١ ورقة ٢١٠ ا. وانظر تحقيقي له: ٢/ ٤٩٤- ٤٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>