للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال المسلمون: إن إخواننا ماتوا وقتلوا وَقَدْ كانوا يشربونها، فانزل الله تعالى:

لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ ... الآية.

فنزلت الآية عذرا للماضين وحجة على الباقين.

نخلص من كل ما تقدم الى ان لاسباب النزول فوائد عديدة أهمها:

١- دفع الاشكال عن الآية:

كما روى ان عروة بن الزبير أشكل عليه ان يفهم فرضية السعى بين الصفا والمروة من قوله سبحانه: (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ، فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) . واشكاله نشا من ان الآية الكريمة نفت الجناح، ونفى الجناح لا يتفق والفرضية فى رأيه. وبقي فى اشكاله حتى سال خالته عائشة ام المؤمنين رضى الله عنها، فأفهمته ان نفى الجناح هنا ليس نفيا للفرضية، انما هو نفى لما وقر فى أذهان المسلمين يومئذ من ان السعى بين الصفا والمروة من عمل الجاهلية، نظرا الى ان الصفا كان عليه صنم يقال له (إساف) ، وكان على المروة صنم يقال له (نائلة) ، وكان المشركون إذا سعوا بينهما تمسحوا بهما، فلما ظهر الإسلام وكسر الأصنام تحرج المسلمون ان يطوفوا بينهما لذلك، فنزلت الآية. كما رواه مقاتل «٨٦» .

٢- دفع توهم الحصر، عما يفيد بظاهر الحصر:

نحو قوله سبحانه فى سورة الأنعام: قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ، أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ «٨٧» ..

قال مقاتل «٨٨» : ان الكفار لما حرموا ما أحل الله وأحلوا ما حرم الله قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: من اين أتيتم بهذا التحريم؟ فسكتوا فلم يجيبوه إِلَّا أنهم قَالُوا حرمه آباؤنا، فقال النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمنْ أَيْنَ حرمه آباؤكم؟

قَالُوا: اللَّه أمرهم بتحريمه ... فأنزل الله الآية: قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ ... إلخ الآية.

وقد ذهب الشافعي الى ان الحصر فى هذه الآية غير مقصود، وقال انها نزلت بسبب أولئك الكفار الذين أبوا الا ان يحرموا ما أحل الله ويحلوا ما حرم الله، فنزلت الآية بهذا الحصر الصوري مشادة لهم، لا قصدا الى حقيقة الحصر. يؤيد هذا ما نقله عنه


(٨٦) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث جزء ١ ورقة ٢٦ ا، وانظر تحقيقي له: ١/ ١٥٢.
(٨٧) سورة الانعام: ١٤٥، وتمامها (.. فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .
(٨٨) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث: جزء ١ ورقة ١٢٥ ب، وانظر تحقيقنا له:
١/ ٥٩٤- ٥٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>