للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السبكى من قوله: (ان الكفار لما حرموا ما أحل الله وأحلوا ما حرم الله، وكانوا على المضادة والمحادة، جاءت الآية مناقضة لغرضهم، فكأنه قال: لا حلال الا ما حرمتموه، ولا حرام الا ما أحللتموه. نازلا منزلة من يقول لك: لا تأكل اليوم حلاوة فتقول لا آكل اليوم الا حلاوة والغرض المضادة لا النفي والإثبات على الحقيقة. فكأنه تعالى قال: لا حرام الا ما أحللتموه من الميتة، والدم، ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به، ولم يقصد حل ما وراءه، إذ القصد اثبات التحريم لا اثبات الحل. قال امام الحرمين: وهذا فى غاية الحسن، ولولا سبق الشافعي الى ذلك لما كنا نستجيز مخالفة مالك فى حصر المحرمات فيما ذكرته الآية «٨٩» .

٣- معرفة من نزلت فيهم الآية على التعيين حتى لا يشتبه بغيره فيتهم البريء ويبرأ المريب: ولهذا ردت عائشة على مروان حين اتهم أخاها عبد الرحمن بن ابى بكر بانه الذي نزلت فيه آية وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما سورة الأحقاف/ ١٦ «٩٠» وقالت: والله ما هو به. ولو شئت ان أسميه لسميته «٩١» .

وقد ذهب مقاتل الى ان هذه الآية نزلت فى عبد الرحمن بن أبي بكر وأمه رومان بنت عمرو بن عامر الكندي، دعاه أبواه إلى الإسلام وأخبراه بالبعث بعد الموت، فقال لوالديه (أف لكما) «٩٢» . وما رواه مقاتل موافق لما أخرجه ابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس، ولما أخرجه ابن ابى حاتم عن السدى. لكن الرواية الاولى- وهي رد عائشة على مروان- وردت فى البخاري من طريق يوسف بن ماهان.

كما اخرج عبد الرزاق من طريق مكي انه سمع عائشة تنكر ان تكون الآية نزلت فى عبد الرحمن بن ابى بكر، وقالت انما نزلت فى فلان سمت رجلا.

والمقاييس الدقيقة التي ذكرت فى اسباب النزول- وهي التي تقضى بقبول الصحيح ورفض ما عداه- تلزمنا هنا بقبول رواية البخاري ورفض ما رآه مقاتل.

قال الحافظ ابن حجر: ونفى عائشة أصح اسنادا واولى بالقبول «٩٣» .

٤- وأخيرا فان من فوائد معرفة اسباب النزول تيسير حفظ القرآن، وتسهيل فهمه، وتثبيت الوحى فى ذهن كل من يسمع الآية إذا عرف سببها. وذلك لان ربط الأسباب بالمسببات، والأحكام بالحوادث، والحوادث بالاشخاص والازمنة والامكنة-


(٨٩) الإتقان: ١/ ٢٠.
(٩٠) سورة الأحقاف: ١٧.
(٩١) الإتقان: ١/ ٣٠.
(٩٢) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث: جزء ٣ ورقة ١٥٣ ا، وانظر تحقيقي له: ٢١٤.
(٩٣) لباب النقول فى اسباب النزول للسيوطي: ١٩٦- ١٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>