للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

«وذكر مذهبهم في القَدَر».

الإيمان بالقدر خيره وشره: هو الاعتقاد الجازم بتقدير تقدير الله تعالى للكائنات حسبما سبق به علمه، واقتضته حكمته؛ قال جل وعلا: ﴿إنا كل شيء خلقناه بقدر﴾، ونؤمن مع ذلك أن الله تعالى جعل للعبد اختيارًا وقدرة بهما يكون الفعل، وإن كان لا يخرج بهما عن مشيئته سبحانه؛ قال سبحانه: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾.

والاعتقاد أن الله تعالى أرسل ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾، ولولا أن فعل العبد يقع بإرادته واختياره ما بطلت حجته جل وعلا على الناس بإرسال رسله.

قد ضَلَّ في هذا الباب (باب أفعال الله) الجبريةُ والقدريةُ، وما زال إلى يوم الناس هذا مَنْ يَخبط فيه بين قائل بأن العبد مجبر على أفعاله، وبين قائل بأن العبد لا فِعل له ولا اختيار، وإنما هو كالريشة في مَهَبِّ الرِّيح، وأهل السنة والجماعة وسطٌ بين هذا وذاك.

وقد أوضَح شيخُ الإسلامِ هذا في «مَجموع الفَتاوى» فقال: «وهم في باب خَلقِ الله وأمرِه وسطٌ بين المُكذِّبين بقُدرة الله الذين لا يُؤمنون بقُدرتِه الكاملة ومَشِيئته الشاملة وخَلقِه لكل شيء، وبين المُفسدين لدِين الله الذين يَجعلون العبدَ ليس له مَشِيئةٌ ولا قُدرة ولا عمل، فيُعطِّلون الأمر والنهي والثوابَ والعقاب، فيَصِيرون بمَنزِلة المُشركين الذين قالوا: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٤٨].

فيُؤمن أهل السُّنَّة بأنَّ الله على كل شيء قدير، فيَقدر أن يهدي العبادَ ويُقلِّب قلوبهم، وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فلا يكون في مُلكِه ما لا يُريد، ولا يَعجَز عن إنفاذ مُرادِه، وأنه خالِق كلِّ شيء من الأعيان والصِّفات والحَرَكات. ويُؤمنون أن العبدَ له قُدرة ومشيئة وعملٌ، وأنه مُختار ولا يُسمُّونه مَجْبورًا؛ إذ

<<  <  ج: ص:  >  >>