(٤٤) "ثم لَمَّا عُرّبت الكتب الرومية في حدود المائة الثالثة زاد البلاء مع ما ألقى الشيطان في قلوب الضلال ابتداء، من جنس ما ألقاه في قلوب أشباههم.
ولما كان في حدود المائة الثالثة انتشرت هذه المقالة التي كان السلف يسمونها مقالة الجهمية بسبب بشر بن غياث المريسي وطبقته،
وبعد مقتل الجهم بن صفوان على يد سلم بن أحوز، قام لهذه المقالة أحمد بن أبي داؤد (٢٤٠ هـ) وبشر المريسي (٢١٨ هـ) فملآ الدنيا محنة والقلوب فتنة دهراً طويلاً.
(فما إن جاء أول المائة الثالثة، وولي على الناس عبد الله المأمون (١٩٨ هـ -٢١٨ هـ)، وكان يحب أنواع العلوم، وكان مجلسه عامراً بأنواع المتكلمين في العلوم، فغلب عليه حب المعقولات فأمر بتعريب كتب اليونان، وأقدم لها المترجمين من البلاد فعربت له، واشتغل بها الناس، والملك سوق ما سوق فيه جلب إليه، فغلب على مجلسه جماعة من الجهمية ممن كان أبوه الرشيد قد أقصاهم وتتبعهم بالحبس والقتل. فحشوا بدعة التجهم في أذنه وقلبه، فقبلها، واستحسنها، ودعا الناس إليها، وعاقبهم عليها) (١)
قال ابن تيمية: (الجهمية لم يكونوا ظاهرين إلا بالمشرق، لكن قوى أمرهم لما مات الرشيد وتولى ابنه الملقب بالمأمون بالمشرق وتلقى عن هؤلاء ما تلقاه. ثم لما تولى الخلافة اجتمع بكثير من هؤلاء، ودعا إلى قولهم في آخر عمره، وكتب وهو بالثغر بطرسوس إلى نائبه ببغداد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب كتاباً يدعو الناس فيه إلى أن يقولوا القرآن مخلوق، فلم يجبه أحد؛ ثم كتب كتاباً ثانياً يأمر فيه بتقييد من لم يجبه وإرساله إليه، فأجاب أكثرهم، ثم قيدوا سبعة لم يجيبوا فأجاب