للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حيث داروا؛ فإذا أجمعوا لم يجمعوا على خطأ قط، بخلاف أصحاب عالم من العلماء فإنهم قد يجمعون على خطأ، بل كل قولٍ قالوه ولم يقله غيرهم من الأمة لا يكون إلا خطأ؛ فإن الدين الذي بعث الله به رسوله ليس مُسَلَّمًا إلى عالِمٍ واحدٍ وأصحابه، ولو كان كذلك لكان ذلك الشخص نظيرًا لرسول الله وهو شبيه بقول الرافضة في الإمام المعصوم.

ولا بد أن يكون الصحابة والتابعون يعرفون ذلك الحق الذي بعث الله به الرسول، قبل وجود المتبوعين الذين تُنسب إليهم المذاهب في الأصول والفروع، ويمتنع أن يكون هؤلاء جاءوا بحق يخالف ما جاء به الرسول، فإن كل ما خالف الرسول فهو باطل، ويمتنع أن يكون أحدهم علم من جهة الرسول ما يخالف الصحابة والتابعين لهم بإحسان، فإن أولئك لم يجتمعوا على ضلالة، فلابد أن يكون قوله إن كان حقًّا مأخوذًا عمَّا جاء به الرسول، موجودًا فيمن قبله، وكل قول قِيلَ في دين الإسلام، مخالف لما مضى عليه الصحابة والتابعون، لم يقله أحد منهم بل قالوا خلافه، فإنه قول باطل (١).

قال الله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠)(٢)

وقال أيضاً: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٠)(٣).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فقد تبين أن الواجب طلب علم ما أنزل الله على رسوله من الكتاب والحكمة، ومعرفة ما أراد بذلك كما كان على ذلك الصحابة والتابعون لهم بإحسان، و من سلك سبيلهم، فكل ما يحتاج الناس إليه في دينهم، فقد بينه الله ورسوله بيانا شافيا، فكيف بأصول التوحيد والإيمان، ثم إذا عرف ما بينه الرسول نظر في أقوال الناس، وما أرادوه بها، فعرضت على الكتاب والسنة.

سادساً: ومن سمات أهل الحق قولهم: أن العقل الصريح دائمًا موافقٌ للرسول لا يخالفه قط.

فإن الميزان مع الكتاب، والله أنزل الكتاب بالحق والميزان؛ لكن قد تقصر عقول الناس عن معرفة تفصيل ما جاء به، فيأتيهم الرسول بما عجزوا عن معرفته وحاروا


(١) منهاج السنة ج ٥/ ٢٦١ - ٢٦٣.
(٢) التوبة.
(٣) الحشر.

<<  <  ج: ص:  >  >>