للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثالثاً: يبين أقوال المخالفين يتعرض للشُبهة التي يحاول هؤلاء أن يلحقوها بالحق، ثم بعد ذلك من منهجه أنه يردُّ على الأُسُسَ التي اعتمدها أولئك في باطلهم.

فهذه طريقته وهذا منهجه في سائر المسائل التي يتكلم عنها، فهو من جهة يعيد الأمر إلى أصله وأساسه ويحيي ما اندثر من علم السلف، وهذه قضية ميزت كلام وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية، فامتاز بذلك أنه في سائر كتبه إذا ناقش مسألة من المسائل فإنه يعيدك إلى أصولها حتى تفهم أن هذا هو قول الله فيها، وهذا هو قول رسوله ، وهذا قول السلف الصالح.

[ما حصل لشيخ الإسلام بعد كتابة هذه الفتوى]

حصلت محنة لشيخ الإسلام ابن تيمية بدمشق بسبب الفتوى الحموية، وقد ذكرت هذه المحنة في العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية (ص ٢١٩ - ٢١٨). قال الشيخ علم الدين: وفي شهر ربيع الأول من سنة ثمان وتسعين وستمائة وقع بدمشق محنة للشيخ الإمام تقي الدين ابن تيمية.

وكان الشروع فيها في أول الشهر، وظهرت يوم الخامس منه واستمرت إلى آخر الشهر.

وملخصها: أنه كان كتب جوابا سئل عنه من حماة في الصفات، فذكر فيه مذهب السلف، ورجحه على مذهب المتكلمين، وكان قبل ذلك بقليل أنكر أمر المنجمين. واجتمع بسيف الدين جاغان في ذلك في حال نيابته بدمشق وقيامه، فقام نائب السلطنة، وامتثل أمره. وقبل قوله، والتمس منه كثرة الاجتماع به.

فحصل بذلك ضيق لجماعة، مع ما كان عندهم قبل ذلك من كراهية الشيخ وتألمهم لظهوره وذكره الحسن.

فانضاف شيء إلى أشياء. ولم يجدوا مساغاً إلى الكلام فيه لزهده، وعدم إقباله على الدنيا، وترك المزاحمة على المناصب، وكثرة علمه، وجودة أجوبته وفتاويه، وما يظهر فيها من غزارة العلم، وجودة الفهم. فعمدوا إلى الكلام في العقيدة. لكونهم يرجحون مذهب المتكلمين في الصفات والقرآن على مذهب السلف، ويعتقدونه الصواب. فأخذوا الجواب الذي كتبه، وعملوا عليه أوراقا في رده، ثم سعوا السعي الشديد إلى القضاة والفقهاء، واحدة واحدة. وأغروا خواطرهم، وحرفوا الكلام، وكذبوا الكذب الفاحش، وجعلوه يقول بالتجسيم -حاشاه من ذلك - وأنه قد أوعز ذلك المذهب إلى أصحابه. وأن العوام قد فسدت عقائدهم بذلك. ولم يقع من ذلك شيء والعياذ بالله.

<<  <  ج: ص:  >  >>