للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وسعوا في ذلك سعيا شديداً، في أيام كثيرة المطر والوحل والبرد، وسعوا في ذلك سعيا شديدا.

فوافقهم جلال الدين الحنفي، قاضي الحنفية يومئذ، على ذلك. ومشي معهم إلى دار الحديث الأشرفية. وطلب حضوره، وأرسل إليه فلم يحضر.

وأرسل إليه في الجواب: إن العقائد ليس أمرها إليك، وإن السلطان إنما ولاك التحكم بين الناس، وإن إنكار المنكرات ليس مما يختص به القاضي.

فوصلت إليه هذه الرسالة فأغروا خاطره، وشوشوا قلبه، وقالوا لم يحضر. ورد عليه.

فأمر بالنداء على بطلان عقيدته في البلدة، فأجاب إلى ذلك. فنودي في بعض البلد ثم بادر سيف الدين جاغان، وأرسل طائفة. فضرب المنادي وجماعة ممن حوله، وأخرق بهم. فرجعوا مضروبين في غاية الإهانة.

ثم طلب سيف الدين جاغان من قام في ذلك وسعى فيه، فدارت الرسل والأعوان عليهم في البلدة، فاختفوا واحتمي مقدمهم ببدر الدين الأتابكي، ودخل عليه في داره. وسأله أن يجيره من ذلك؟ فترفق في أمره إلى أن سكن غضب سيف الدين جاغان. ثم إن الشيخ جلس يوم الجمعة على عادته ثالث عشر الشهر. وكان تفسيره في قوله تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم) القلم: ٤] وذكر الحلم وما ينبغي استعماله. وكان ميعاداً جليلا. ثم إنه اجتمع بالقاضي إمام الدين الشافعي، وواعده لقراءة جزئه الذي أجاب فيه. وهو المعروف بالحموية.

فاجتمعوا يوم السبت رابع عشر الشهر، من بكرة النهار إلى نحو الثلث من ليلة الأحد، ميعادة طويلا مستمرة. وقرئت فيه جميع العقيدة، وبين مراده في مواضع أشكلت. ولم يحصل إنكار عليه من الحاكم، ولا ممن حضر المجلس، بحيث انفصل عنهم، والقاضي يقول: كل من تكلم في الشيخ يعزر. وانفصل عنهم عن طيبة.

وخرج الناس ينظرون ما يسمعون من طيب أخباره. فوصل إلى داره في ملأ كثير من الناس، وعندهم استبشار وسرور به، وهو في ذلك كله ثابت الجأش، قوى القلب، واثق بالنصر الإلهي لا يلتفت إلى نصر مخلوق، ولا يعول عليه.

وكان سعيهم في حقه أتم السعي، لم يبقوا ممكنا من الاجتماع بمن يرتجون منه أدنى نصر لهم، وتكلموا في حقه بأنواع الأذى، وبأمور يستحي الإنسان من الله

<<  <  ج: ص:  >  >>