العبد هو الذي يخلق فعل نفسه، وليس لله تعالى قدرة أو تصرُّف في فعل العبد، فهم في مقابل الجهمية إذ ذاك.
فهذه أشهر ما عند الجهم من المقالات، ومقالات الجهم كان لها أتباعها، وكان أتباعها في المشرق جهة خرسان.
لذلك كان أئمة السنة في المشرق أقوالهم وآثارهم أكثر في مسائل الجهمية من العلماء في الشام، أو العلماء في الحجاز، أو علماء السنة كذلك في مصر وغيرها؛ لأن ظهور المقالة كان في جهة المشرق جهة خرسان. ولذلك كان تأثر الأحناف بهذه المقالة أكثر من تأثر غيرهم في ذلك الحين، حتى أن بشر المريسي كان من الحنفية ولذلك أبو يوسف تلميذ أبي حنيفة عنَّف بشراً وحاكمه على مقولته هذه.
فكان تأثر الأحناف بهذه المقالة باعتبار أن ظهورها كان في المشرق، وكان لمذهب أبي حنيفة قبولاً في ذلك الاتجاه أي في خرسان. فالمعتزلة في ذلك الحين لم يكونوا بعد قد تأثروا بمقالة الجهمية في نفي الصفات، ولذلك فإن العلماء إذا نسبوا هذه المقالة قالوا: مقالة الجهمية.
المسألة الرابعة: أصول المقالة وجذورها.
تحدث المصنف عن أصول وجذور هذه المقالة وذكر أنها تعود في أصلها إلى ثلاثة مشارب.
المشرب الأول: المشرب اليهودي.
المشرب الثاني المشرب الصابئ.
المشرب الثالث: المشرب الوثني.
أما المشرب الأول: فهو ما أشار إليه المصنف فقال: "وقد قيل إن الجعد أخذ مقالته عن أبان بن سمعان"(١)، فأراد هنا أن يبين المشرب اليهودي في هذه المقالة، فهناك مشرب يهودي وهذه تسمى سلسلة الخشب كما يقول عنها علماء السلف، فهناك سلسلة الذهب، وهناك سلسلة الخشب، فاعلم أن هذه سلسلة الخشب، وأما سلسلة الذهب فهي مالك عن نافع عن ابن عمر.
فإليك سلسلة الخشب: الجهم عن الجعد بن درهم عن أبان بن سمعان، وأبان تارة يقال عنه: أبان، وتارة يقال عنه بيان بن سمعان، وأخذها أبان عن طالوت ابن
(١) انظر كتاب الفتوى الحموية الكبرى لابن تيمية الجزء الأول، صفحة (٢٣٤).