(١٥٩)«فلا بد للمنحرفين عن سنته أن يعتقدوا فيها نقصًا يذمونهم به، ويسمونهم بأسماء مكذوبة-وإن اعتقدوا صدقها-كقول الرافضي: مَنْ لم يبغض أبا بكر وعمر، فقد أبغض عليًّا؛ لأنه لا ولاية لعليٍّ إلا بالبراءة منهما، ثم يجعل مَنْ أحب أبا بكر وعمر ناصبيًّا؛ بناء على هذه الملازمة الباطلة، التي اعتقدوها صحيحة، أو عاندوا فيها، وهو الغالب».
يبيِّن المصنف أسباب هذه الألقاب التي يطلقونها على أهل السنة؛ فانظر كيف يركِّبون باطلهم بسبب أنهم يعتقدون أن في السنة نقصاً.
وقد أعطى شيخ الإسلام ثلاثة أمثلة من معتقدات كل من الرافضة والقدرية والجهمية، وكيف أنهم جاؤا بلوازم فاسدة نابعة من معتقداتهم.
فالرافضة عندهم أن حب أبي بكر عندهم لا يستقيم مع ولاية عليٍّ ﵄، فلابد لكي يوالي أحدهم عليًّا أن يبغض أبا بكر، مع أن السلف لم يبغضوا عليًّا ﵁، ولم يُناصبوه العداء، لكن هذه مقاييسهم الفاسدة.
فهذه الملازمة الباطلة الفاسدة لا توجد إلا في معتقد الرافضة وأذهانهم، فمحاولة حصر قضية الولاء والبراء بين الصحابة بأحد هذين خيارين إنما هي لازم قولهم في الصحابة، وأما أهل السنة فإنهم يوالون جميع الصحابة ويحبونهم ولا يفرقون بينهم ويعرفون لهم فضلهم، ويؤمنُون بأن أصحابَ النبي ﷺ كما وصفهم ابن مسعود حينما قال:" من كانَ مُسْتَنًّا، فَلْيَسْتَنَّ بمن قد ماتَ، فإنَّ الحيَّ لا تُؤمَنُ عليه الفِتْنَةُ "(١)، أولئك أصحابُ محمد أبَّرُّ هذه الأمةِ قلوباً وأعمُقها علماً، وأقلها تكلُّفاً، قومٌ اختارهم الله لصحبةِ نبيه وإقامةِ دينه فاعرفوا لهم حقهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم، وكما أُثِر عنه ﵁ حيث قال:"إنا نقتدي ولا نبتدئ، ونتبعُ ولا نبتدع".
(١) رواه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (٢/ ٩٤٧ رقم ١٨١٠)، وفي إسناده ضعف، إلا أنه أثر مشهور متداول في مصنفات أهل السنة، ومعناه صحيح مستقر عندهم.