المسألة الثانية: أن من ولي الخلافة بإجماع الناس عليه ورضاهم به فهو أمير المؤمنين.
فمن صور الولاية وهي:(ومن ولي الخلافة بإجماع الناس عليه ورضاهم به فهو أمير المؤمنين).
وصور الخلافة متعددة منها:
الصورة الأولى: وهى الصورة المثلى لقيام الخلافة أو الولاية، هي أن تكون الخلافة بإجماع الناس، وإجماع الناس يتحقق بصور شتى، فغالباً ما يكون باتفاق أهل الحل والعقد؛ لأن الناس في شعائر الدين الكبرى مثل الحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي مصالح الدنيا العظمى مثل البيعة والسمع والطاعة وغيرها، لا يتم أمرهم إلا بأهل الحل والعقد منهم، ومن سوى أهل الحل والعقد تبع لأهل الحل والعقد بالضرورة؛ لأن الدهماء والعامة والغوغاء والسواد الأعظم لا يمكن تحقيق رغبتهم جميعاً أو التعرف على آرائهم بطريق سليم، ولا يمكن أيضاً أن يكون عندهم من الفقه والرشد ما يجعلهم يعرفون المصالح العظمى للأمة كما يريد الله ﷿، وكما هو على قواعد الشرع.
فإذا اجتمع على الخليفة أهل الحل والعقد، وليس المراد بإجماع الناس كل فرد بعينه، بل المراد أهل الحل والعقد ورؤساء القبائل والأعيان والوجهاء فإذا بايعوه تمت البيعة، ولا يشترط أن يبايع كل واحد بعينه،
فعلى هذا فالإجماع ينعقد في مسألة الولاية والخلافة ببيعة أهل الحل والعقد، وهذه صورة من صور الولاية تتبعها أو تأتي دونها صور أخرى.
قال الشوكانيُّ ﵀: «طريقُها أَنْ يجتمع جماعةٌ مِنْ أهلِ الحَلِّ والعقد فيعقدون له البَيْعةَ ويقبل ذلك، سواءٌ تَقَدَّمَ منه الطلبُ لذلك أم لا، لكنَّه إذا تَقَدَّمَ منه الطلبُ فقَدْ وَقَعَ النهيُ الثابتُ عنه ﷺ عن طَلَبِ الإمارة (١)؛ فإذا بُويِعَ بعد هذا الطلبِ انعقدَتْ ولايتُه وإِنْ أَثِمَ بالطلب، هكذا ينبغي أَنْ يُقالَ على مقتضى ما تَدُلُّ عليه السنَّةُ
(١) وذلك في حديثِ عبد الرحمن بنِ سَمُرَةَ ﵁ قال: قال النبيُّ ﷺ: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، لَا تَسْأَلِ الإِمَارَةَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا … » الحديث [مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الأحكام» بابُ مَنْ لم يَسْألِ الإمارةَ أعانَهُ اللهُ عليها (٧١٤٦)، ومسلمٌ في «الأيمان» (١٦٥٢) [.