للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المطهَّرة، … والحاصلُ: أنَّ المُعْتَبَرَ هو وقوعُ البَيْعةِ له مِنْ أهلِ الحَلِّ والعقد؛ فإنها هي الأمرُ الذي يجب بَعْدَه الطاعةُ ويَثْبُتُ به الولايةُ وتَحْرُمُ معه المُخالَفةُ، وقد قامَتْ على ذلك الأدلَّةُ وثَبَتَتْ به الحجَّةُ … »، ثمَّ قال: «قد أَغْنَى اللهُ عن هذا النهوضِ وتَجَشُّمِ السفر وقَطْعِ المَفاوِزِ ببَيْعةِ مَنْ بايَعَ الإمامَ مِنْ أهل الحَلِّ والعقد؛ فإنها قد ثَبَتَتْ إمامتُه بذلك ووَجَبَتْ على المسلمين طاعتُه، وليس مِنْ شرطِ ثبوتِ الإمامةِ أَنْ يُبايِعَهُ كُلُّ مَنْ يصلح للمُبايَعة، ولا مِنْ شرطِ الطاعةِ على الرجل أَنْ يكون مِنْ جملةِ المُبايِعِين؛ فإنَّ هذا الاشتراطَ في الأمرين مردودٌ بإجماع المسلمين: أوَّلِهم وآخِرِهم، سابِقِهم ولاحِقِهم» (١).

الصورة الثانية: ثبوت البيعة بتعيين جماعةٍ تختار وليَّ العهد:

وذلك بأَنْ يَعْهَدَ ولِيُّ الأمرِ الأوَّلُ إلى جماعةٍ معدودةٍ تَتوفَّرُ فيها شروطُ الإمامةِ العُظْمى؛ لِتقومَ باختيارِ وليِّ العهدِ المُناسِبِ فيما بينهم يَتوالَوْن عليه ويُبايِعونه، كمِثْلِ ما فَعَلَ عمرُ بنُ الخطَّاب ، حيث عَهِدَ إلى نَفَرٍ مِنْ أهل الشورى لاختيارِ واحدٍ منهم، قال الخطَّابيُّ : «ثمَّ إنَّ عُمَرَ لم يُهْمِلِ الأمرَ ولم يُبْطِلِ الاستخلاف، ولكِنْ جَعَلَهُ شُورَى في قومٍ معدودين لا يَعْدُوهم؛ فكُلُّ مَنْ أقامَ بها كان رِضًا ولها أهلًا؛ فاختاروا عثمانَ وعَقَدوا له البَيْعةَ» (٢)، ثمَّ لَمَّا اسْتُشْهِدَ عثمانُ بايَعُوا عليًّا .

فتصلح الخلافة بالانتخاب والاختيار كما ثبتت الخلافة ل أبي بكر الصديق بالاختيار والانتخاب، وكما ثبتت الولاية أيضاً ل عثمان باختيار أهل الحل والعقد وبالإجماع، وكما ثبتت الخلافة ل علي بمبايعة أكثر أهل الحل والعقد.

الصورة الثالثة: الخلافة بولاية العهد من الخليفة السابق.

فتثبت الخلافة بولاية العهد من الخليفة السابق كما ثبتت الخلافة ل عمر بولاية العهد من أبي بكر.

وذلك بأَنْ يَعْهَدَ وليُّ الأمرِ إلى مَنْ يَرَاهُ أَقْدَرَ على مَهَمَّةِ حمايةِ الدِّين وسياسةِ الدنيا فيَخْلُفَه مِنْ بَعْدِه؛ فإنَّ بَيْعَته على الإمامةِ تَلْزَمُ بعهدِ مَنْ قَبْلَه، كمِثْلِ ما وَقَعَ مِنْ عهدِ أبي بكرٍ لعُمَرَ ؛ فإنَّ الصدِّيقَ لَمَّا حَضَرَتْه الوفاةُ عَهِدَ إلى عُمَرَ في الإمامة، ولم يُنْكِرْ ذلك الصحابةُ ، وقَدِ اتَّفَقَتِ الأمَّةُ على انعقادِ الإمامة بولايةِ


(١) «السيل الجرَّار» للشوكاني (٤/ ٥١١ - ٥١٣).
(٢) «مَعالِم السنن» للخطَّابي مع «سنن أبي داود» (٣/ ٣٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>