للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

العهد، وقد عَهِدَ مُعاويةُ إلى ابنه يَزيدَ كما عَهِدَ غيرُهم، ويدلُّ عليه أنَّ رسول الله أعطى الرايةَ يوم مُؤْتَةَ زيد بنَ حارثةَ وقال: «فَإِنْ قُتِلَ زَيْدٌ أَوِ اسْتُشْهِدَ فَأَمِيرُكُمْ جَعْفَرٌ، فَإِنْ قُتِلَ أَوِ اسْتُشْهِدَ فَأَمِيرُكُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ» (١)، فاسْتُشْهِدُوا جميعًا، ثمَّ أَخَذَها خالدُ بنُ الوليدِ ولم يكن رسولُ الله تَقَدَّمَ إليه في ذلك، والحديثُ دلَّ على وجوبِ نَصْبِ الإمامِ والاستخلافِ، قال الخطَّابيُّ : «فالاستخلافُ سنَّةٌ اتَّفَقَ عليها المَلَأُ مِنَ الصحابة، وهو اتِّفاقُ الأمَّة، لم يُخالِفْ فيه إلَّا الخوارجُ والمارقةُ الذين شَقُّوا العَصَا وخَلَعُوا رِبْقَةَ الطاعة» (٢).

الصورة الرابعة: من صور الخلافة بالقوَّة والغلبة والقهر.

فهو صورة من صور إقامة الإمامة في الدين، فإمامة الناس في دينهم ودنياهم وهي الإمارة التي لها السمع والطاعة فقد تكون بالغلبة أيضاً، وتثبت الخلافة أيضاً بالقوة والغلبة إذا غلب الناس بسيفه وقهرهم بسيفه واجتمعت عليه الكلمة فتمت له البيعة ولا يجوز الخروج عليه، حتى لو لم يكن الأمر برضا أهل الحل والعقد.

فإذا غَلَبَ على الناسِ حاكمٌ بالقوَّة والسيف حتَّى أَذْعَنُوا له واستقرَّ له الأمرُ في الحكمِ وتمَّ له التمكينُ؛ صارَ المتغلِّبُ إمامًا للمسلمين وإِنْ لم يَسْتَجْمِعْ شروطَ الإمامة، وأحكامُه نافذةٌ، بل تجب طاعتُه في المعروف وتَحْرُمُ مُنازَعتُه ومعصيتُه والخروجُ عليه قولًا واحدًا عند أهلِ السنَّة؛ ذلك لأنَّ طاعته خيرٌ مِنَ الخروج عليه؛ لِمَا في ذلك مِنْ حَقْنِ الدماءِ وتسكينِ الدَّهْماء، ولِمَا في الخروجِ عليه مِنْ شَقِّ عَصَا المسلمين وإراقةِ دمائهم، وذهابِ أموالهم وتسلُّطِ أعداء الإسلام عليهم، قال الإمامُ أحمد : «ومَنْ خَرَجَ على إمامٍ مِنْ أئمَّةِ المسلمين وقد كان الناسُ اجتمعوا عليه وأَقَرُّوا له بالخلافة بأيِّ وجهٍ كان بالرِّضَا أو الغَلَبة؛ فقَدْ شَقَّ هذا الخارجُ عَصَا المسلمين، وخالَفَ الآثارَ عن رسول الله ، فإِنْ مات الخارجُ ماتَ مِيتةً جاهليَّةً، ولا يَحِلُّ قتالُ السلطانِ ولا الخروجُ عليه لأَحَدٍ مِنَ الناس؛ فمَنْ فَعَلَ ذلك فهو مُبْتَدِعٌ على غيرِ السنَّةِ والطريق» (٣).

وقد حَكَى الإجماعَ على وجوبِ طاعةِ الحاكمِ المُتغلِّبِ الحافظُ ابنُ حجرٍ


(١) أخرجه أحمد في «مسنده» (١٧٥٠) مِنْ حديثِ عبد الله بنِ جعفرٍ . وصحَّحه أحمد شاكر في تحقيقه ل: «مسند أحمد» (٣/ ١٩٢)، والألبانيُّ في «أحكام الجنائز» (٢٠٩).
(٢) «مَعالِم السنن» للخطَّابي مع «سنن أبي داود» (٣/ ٣٥١).
(٣) «المسائل والرسائل» للأحمدي (٢/ ٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>