محمد أبَّرُّ هذه الأمةِ قلوباً وأعمُقها علماً، وأقلها تكلُّفاً، قومٌ اختارهم الله لصحبةِ نبيه وإقامةِ دينه فاعرفوا لهم حقهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم، وكما أُثِر عنه ﵁ حيث قال:"إنا نقتدي ولا نبتدي، ونتبعُ ولا نبتدع".
فأصحابُ النبي ﷺ خيرُ هذه الأمة، والله تعالى قد زكَّاهم في كتابه وأمرَ بلزومِ سبيلهم حيث قال ﷿: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [التوبة: ١٠٠]، فرضيَ الله عن السابقين من المهاجرين والأنصار رضاءً مطلقا بدونِ قيد، ورضيَ عنهم بعدهم رضاءً مقيَّداً .. مقيَّداً بأي أمر؟ باتباعهم بإحسان ﴿وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ صدق الله
نهى عن الافتراقِ عن هذا الطريقِ وهذا السبيل، والمعالم بحمد لله تعالى واضحة، مرجعيةٌ استقامَ عليها الأوائل وحفظوها لنا بأسانيدها الصحيحةِ الثابتة ونقلوها لنا، وأصبحت-بحمد الله تعالى-ميراثاً سليماً من كل بدعةٍ ومن كل شائبة يتوارثه أهل السنَّةِ جيلاً بعدَ جيل، وينقله الخيارُ من هذه الأمة، ينقله ورثةُ الأنبياء لكلِّ جيلٍ من هذه الأجيال.
فلذلك لا عجبَ أن يتسمَ هذا المنهج بثباته وعدمِ اضطرابه، ولا عجبَ أن يتسمَ هذا المنهج بلزومِ كلام الله وبلزومِ كلام رسوله ﷺ، ولا عجبَ أن يستمرَ هذا الإسناد محفوظاً جيلاً بعدَ جيل.
فهذه هي مرجعيةُ أهل السنَّة التي بحمد الله تعالى نُقلِت لنا في كتبِ الاعتقاد، ولزِمَها أهلُ السنَّةِ على مدى هذه الأزمانِ وعلى هذه الأعصار.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «والواجب على كل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله أن يكون أصل قصده توحيد الله بعبادته وحده لا شريك له، وطاعة رسوله، يدور على ذلك، ويتبعه أين وجده، ويعلم أن أفضل الخلق بعد الأنبياء هم الصحابة، فلا ينتصر لشخصٍ انتصارًا مطلقًا عامًا، إلا لرسول الله ﷺ، ولا لطائفة انتصارًا مطلقًا عامًا، إلا للصحابة ﵃ أجمعين.
فإن الهدى يدور مع الرسول حيث دار، ويدور مع أصحابه دون أصحاب غيره