للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكذا ما جاء عن عبادة بن الصامت أن رسول الله قال: «إنَّكم لن تَروا ربَّكم حتى تموتوا» (١).

فلا اعتبار لكلام المبطلين في نفي الرؤية مع قول الله ﷿ وقول الرسول الكريم وقول علماء السلف؛ يقول الطحاوي: «والرؤية حق لأهل الجنة بغير إحاطة ولا كيفية، كما نطق به كتاب رَبِّنا: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾، ويقول ابنُ أبي العِزِّ معلقاً على هذا الكلام: «المخالف في الرؤية: الجهمية والمعتزلة ومَن تبعهم من الخوارج والإمامية، وقولهم باطل مردود بالكتاب والسنة، وقد قال بثبوت الرؤية الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام المعروفون بالإمامة في الدين وأهل الحديث وسائر طوائف أهل الكلام المَنسوبون إلى السُّنَّة والجماعة» (٢).

وهنا مسألتان:

المسألة الأولى: رؤية أهل الإيمان لله تعالى يوم القيامة بالأبصار، وهذه مسألة متفقٌ عليها عند أهل السنة، فهم يقولون رؤية الله- ﷿ في الآخرة جائزة عقلًا وواقعة شرعًا، ولا يَرِد على هذا قوله تعالى: ﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ﴾ [الأنعام: ١٠٣]، فقد استدل به المعتزلة على نفي الرؤية مطلقًا، مع أن المراد بالآية ليس نفي الرؤية، وإنما المراد نفي الإدراك؛ لأنها سِيقت مساق المدح، ولو كان المراد نفي الرؤية لما كان في ذلك مدح؛ لأن المعدوم هو الذي لا يُرَى، والكمال في إثبات الرؤية هو نفي الإدراك؛ لأن النفي المحض لا يأتي في صفات الله، وإنما الذي يأتي هو النفي الذي يستلزم إثبات ضده من الكمال.

فالمعنى: أنه يُرى ولا يحاط به رؤيةً، ف ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾؛ لكمال عظمته، كما أنه يُعلم ولا يُحاط به علمًا لكمال عظمته، و ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾؛ لكمال قوته واقتداره، وهكذا.

وقد ورد عن بعض السلف أن الآية تفيد نفي الرؤية في الدنيا، فروى ابن كثير عن إسماعيل بن علية في قول الله تعالى: ﴿لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار﴾ أنه قال: «هذا في الدنيا».


(١) أخرجه أحمد (٥/ ٣٢٤) (٢٢٨١٦)، والنسائي في «السنن الكبرى» (٤/ ٤١٩)، وابن أبي عاصم في «السنة» (٤٢٨)، وصححه الألباني في «صحيح الجامع» (٢٤٥٩).
(٢) «شرح الطحاوية» (ص ١٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>