• وذلك يعني أن من سن أو عمل بدعة ظن أنها حسنة فيقال له كما قال الإمام مالك رحمه الله تعالى:"من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا ﷺ قد خان الرسالة"(١)، فأي إنسان يزعم أنه بهذه البدعة التي جاء بها جعلها بدعة حسنة، فهو يزعم أن النبي ﷺ قد خان الرسالة، لأن الله تعالى قد أخبر بكمال هذا الدين، فلا يمكن أن يكون النبي ﷺ قد كتم هذا الدين أو أخفى هذا الأمر من أمور الدين، لا في صغيرة ولا في كبير.
فلذلك على الإنسان أن يلزَم السنة وأهلها، حتى يتمكن من معرفة الحق، أما إذا اختلط بأهل البدع فسيقطعون عليه الطريق، وقد يلبِّسون عليه قبل أن يتمكن من معرفة الحق بدليله، أما إذا تمكَّن الإنسان من العلم، فعند ذلك لا يُخشى عليه من مجادلتهم ودعوتهم تفنيد شبههم، لكن مع عدم تمكُّنه فإنه قد تقع في نفسه شُبهَة من قِبَل هؤلاء؛ فتحول بينه وبين معرفة الحق والوصول إليه.
ثم بين أن أهل السنة يتشاغلون بقراءة القرآن وكتابة الآثار؛ فهذا شأنهم وديدنهم الاشتغال بقراءة كتاب الله ﷿ وحفظه وبسنة النبي ﷺ والنظر في مسائل هذا الدين، ومع ذلك لابد من خُلقٍ يتخلَّق به طالب العلم وهو الاستكانة والتواضع وبذل المعروف وترك الأذى وترك الغيمة والنميمة؛ لأن هذا العِلم نور الله ﷿، وهو يحتاج إلى نفسٍ مؤمنة مطمئنة؛ تؤمن بالله ﷿ ربًّا، وبمحمد ﷺ نبيًّا، وبالإسلام دينًا.
ولذلك ينبغي على طالب العلم أن يتحلَّى بالخُلُق الفاضل، وأن يكون صاحب طاعة، وأن يبتعد عن المعاصي والذنوب؛ لأن كل تلك الأمور تُعَدُّ عوائق في طلب العلم، فالإنسان إذا تلبَّس بالمعصية أو كان على خُلُقٍ سيِّئ، فإن مثل هذه الأمور تفسد عليه ما اكتسبه من العلم، بل وقد تحرمه من بركة هذا العلم الذي هو العمل به وتطبيقه والدعوة إليه.
فحريٌّ بطالب العلم أن يتفقَّه لنفسه، وأن يمتثل الخُلُق الحسن والخُلُق الفاضل، وحريٌّ به أن يمتثل بآداب الإسلام، وأن يكون من أشد الناس تمسكًا بالخلق والأدب، وحسن المعاملة.
ثم قال:«فهذه جملة ما يأمرون به ويستسلمون إليه ويرونه، وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول، وإليه نذهب».
وهذا يؤكد أن أبا الحسن الأشعري قد رجع إلى عقيدة أهل السنة، وأنه يقرُّ بها ويدعو إليها، كما بَيَّن في هذه المسائل.