للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

«اختلفت مسالك العلماء في هذه الظواهر؛ فرأى بعضهم تأويلها، والتزم ذلك في آي الكتاب، وما يصح من السنن وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل، وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الرب.

فقال: والذي نرتضيه رأيًا وندين الله به عقدًا: اتِّباع سلف الأمة، والدليل السمعي القاطع في ذلك: أن إجماع الأمة حُجَّة متبعة، وهو مستند معظم الشريعة.

وقد درج صحب رسول الله على ترك التعرض لمعانيها، ودَرْك ما فيها وهم صفوة الإسلام، والمستقلون بأعباء الشريعة، وكانوا لا يألون جهدًا في ضبط قواعد الملة، والتواصي بحفظها، وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منها فلو كان تأويل هذه الظواهر مسوغًا أو محتومًا: لأوشَكَ أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة.

وإذا انصرم عصرهم وعصر التابعين على الإضراب عن التأويل، كان ذلك هو الوجه المُتَّبع، فحق على ذي الدين أن يعتقد تنزيه الله عن صفات المُحدَثين، ولا يخوض في تأويل المشكلات، ويَكِلْ معناه إلى الرب؛ فليُجْرِ آية الاستواء والمجيء وقوله: ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص: ٧٥]، ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: ٢٧]، وقوله: ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ [القمر: ١٤]، وما صحَّ من أخبار الرسول ؛ كخبر النزول وغيره على ما ذكرنا».

زعم كثير من الأشاعرة أن القول بالتفويض هو قول السلف (١).

ويستدلون على نسبة هذا القول إلى السلف بعبارات نقلت عن السلف ظنوا أنها ترمي إلى القول بالتفويض كقول الأوزاعي: "كنا والتابعون متوافرون نقول إن الله تعالى ذكره فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته جل وعلا".


(١) الاعتقاد للبيهقي (ص ١١٧)، الإتقان في علوم القرآن (٢/ ٦)، مناهل العرفان (٢/ ١٨٣ - ١٨٣)، تحفة المريد (ص ٩١ - ٩٢)، شرح الخريدة البهية (ص ٧٥)، الأسماء والصفات (ص ٥١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>