(١٤٩) «وإذا كان الأمر هكذا؛ فمن التكلف أن يجعل ظاهر اللفظ شيئًا محالًا لا يفهمه الناس منه، ثم يريد أن يتأوله بل عند المسلمين أن الله في السماء وهو على العرش واحد؛ إذ السماء إنما يُراد به العلو.
فالمعنى: أن الله في العلو لا في السفل، وقد علم المسلمون أن كرسيه سبحانه وسع السماوات والأرض، وأن الكرسي في العرش كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وأن العرش خلق من مخلوقات الله لا نِسبة له إلى قدرة الله وعظمته، فكيف يُتوهم بعد هذا أن خلقًا يحصره ويحويه، وقد قال سبحانه: ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ [طه: ٧١]، وقال تعالى: ﴿فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ﴾ [آل عمران: ١٣٧] بمعنى (على) ونحو ذلك.
وهو كلام عربي حقيقة لا مجازًا، وهذا يعلمه من عرف حقائق معاني الحروف، وأنها متواطئة في الغالب لا مشتركة».
المراد لو أن قائل قال: قوله تعالى: ﴿أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾، هذا يُفهم منه أن الله داخل السماء وأن السماء مُحيطة به، هل يُقبل هذا؟!
فيُقال له: هذا فهمك أنت الخاطئ، ولكن الذي يَفهمه العلماء ويفهمه أصحاب المعتقد الصحيح السليم أن قوله: ﴿أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾، أي: على السماء.
فلفظ "السماء" له معنيان:
الأول: العلو.
والثاني: الجرم المخلوق المعروف، الذي هو السقف المحفوظ.
فإذا قال أهل السنة:"الله في السماء" فمعنى السماء هنا: العلو.
ومن أراد بلفظ السماء ذلك الجرم المخلوق: فإنه يجعل "في" بمعنى "على".
قال الحافظ ابن عبد البر ﵀": وأما قوله تعالى: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ) الملك/ ١٦ فمعناه: مَنْ على السماء يعني: على العرش.
وقد يكون "في" بمعنى "على"، ألا ترى إلى قوله تعالى: (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ