قوم دون أن يزاحمهم، فكذلك المؤمنون يرون ربهم يوم القيامة دون مزاحمة، وكذلك يرى الإنسان ربه مخليًا به كما أنه يرى القمر مخليًا به.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: «وقال: «إنَّكم ترون ربكم كما ترون الشمس والقمر»، فشبه الرؤية بالرؤية، وإن لم يكن المرئي مشابهًا للمرئي».
يعني: ليس المراد أن الله تعالى يشابه القمر والشمس، فالله تعالى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١]، ولكن المراد تشبيه الرؤية بالرؤية، يعني: كما أن الإنسان في الدنيا يرى الشمس والقمر رؤية واضحة، فكذلك سيرى الله يوم القيامة، فهذا هو المراد.
قال ابن أبي العز الحنفي ﵀: "وليس تشبيه رؤية الله تعالى برؤية الشمس والقمر تشبيها لله، بل هو تشبيه الرؤية بالرؤية، لا تشبيه المرئي بالمرئي، ولكن فيه دليل على علو الله على خلقه. وإلا فهل تعقل رؤية بلا مقابلة؟
ومن قال: يرى لا في جهة، فليراجع عقله!! فإما أن يكون مكابرا لعقله، أو في عقله شيء؛ وإلا فإذا قال: يُرى، لا أمام الرائي ولا خلفه، ولا عن يمينه ولا عن يساره، ولا فوقه ولا تحته؛ رد عليه كل من سمعه بفطرته السليمة.
ولهذا ألزم المعتزلة من نفى العلو بالذات، بنفي الرؤية، وقالوا: كيف تعقل رؤية بغير جهة …
وما ألزمهم المعتزلة هذا الإلزام، إلا لما وافقوهم على أنه لا داخل العالم ولا خارجه.
لكن قول من أثبت موجودا يرى لا في جهة، أقرب إلى العقل من قول من أثبت موجودا قائما بنفسه، لا يرى، ولا في جهة.
ويقال لمن قال بنفي الرؤية لانتفاء لازمها وهو الجهة: أتريد بالجهة أمرا وجوديا أو أمرا عدميا؟
فإن أراد بها أمرا وجوديا، كان التقدير: كل ما ليس في شيء موجود، لا يرى.
وهذه المقدمة: ممنوعة، ولا دليل على إثباتها؛ بل هي باطلة، فإن سطح العالم يمكن أن يُرى، وليس العالم في عالم آخر.
وإن أردت بالجهة أمرا عدميا، فالمقدمة الثانية ممنوعة، فلا نسلم أنه ليس في جهة بهذا الاعتبار" (١).
(١) شرح الطحاوية (١/ ٢١٩).