للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(١٥٥) «وهذا القول على الإطلاق كذب صريح على السلف، أما في كثير من الصفات فقطعًا: مثل أن الله تعالى فوق العرش، فإن من تأمل كلام السلف المنقول عنهم الذي لم يُحك هنا عُشْره، عَلم بالاضطرار أن القوم كانوا مصرحين بأن الله فوق العرش حقيقة، وأنهم ما اعتقدوا خلاف هذا قط، وكثير منهم قد صرح في كثير من الصفات بمثل ذلك.

والله يعلم أني بعد البحث التام، ومطالعة ما أمكن من كلام السلف، ما رأيت كلام أحد منهم يدل-لا نصًّا ولا ظاهرًا ولا بالقرائن-على نفي الصفات الخبرية في نفس الأمر، بل الذي رأيته أن كثيرًا من كلامهم يدل-إمَّا نصًّا وإما ظاهرًا على تقرير جنس هذه الصفات، ولا أنقل عن كل واحد منهم إثبات كل صفة، بل الذي رأيته أنهم يثبتون جنسها في الجملة، وما رأيت أحدًا منهم نفاها».

يبين شيخ الإسلام ابن تيمية نتيجة ما توصل إليه في بحثه عن أقوال السلف الصالح في باب الصفات ويؤكد أن نتيجة بحثه في هذا الباب لم يجد في أقوال السلف ما ينفي الصفات الخبرية كما هو الحال الذي وصل إليه المتأخرين من الأشاعرة الذين نفوا تلك الصفات وخالفوا بذلك أقوال قدمائهم فضلاً عن مخالفتهم لأقوال علماء السلف من أهل السنة والجماعة الذين عهد عنهم أنهم يتعاملون مع الصفات معاملة واحدة، فكل صفة ورد فيها النص وكانت ثابتة ومنقولة، وكلام السلف ليس في كل صفة بعينها، ولكنهم تكلموا عن بعض الصفات، وتكلموا عن الصفات جملة، وكلامهم لا يُفهم منه أنه فوَّضوا أو أوَّلوا.

وقوله: «ولا أنقل عن كل واحد منهم إثبات كل صفة، بل الذي رأيته أنهم يثبتون جنسها في الجملة، وما رأيت أحدًا منهم نفاها».

كلامه هذا هو من التحري والدقة هنا، حتى لا يقول قائل: أعطونا نصًّا في كل صفة، فنقول: إن هذا لا يمكن، لكنْ هناك عدد من الصفات تكلموا عنها؛ مثل صفة العلو والاستواء، وتكلموا عن الصفات جملة، فمثل هذا الكلام يكون هو المعيار.

<<  <  ج: ص:  >  >>