للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الإسلام أن استعمال هذه الألفاظ نفياً وإثباتاً لم يرد عن السلف، ولا جاء به أثر صحيح، ولم يستعملها الأقدمون بالمعنى الاصطلاحي الذي اتفق عليه هؤلاء، بل جميعهم معترفون بأن العلو صفة كمال، كما أن السفل صفة نقص، وما ثبت لله من العلو فهو العلو المناسب لكمال ذاته، المنزهة عن اعتبارات المحدثين ومماثلتهم.

ومعلوم أن القول بأن العلو يستلزم هذه المعاني المبهمة إنما هو مأخوذ من قياس الغائب على الشاهد، ومحاولة تطبيق الاعتبارات الإنسانية على الصفات الإلهية وهذا قياس خاطئ إذ ليس معنى كونه في السماء أن السماء تحويه، وتحيط به، وتحصره، أو هي محمل وظرف له، بل هو سبحانه محيط بكل شيء، وسع كرسيه السموات والأرض، وهو فوق كل شيء، وعلا كل شيء (١).

ثانياً: إن من استدل به المعتزلة لا أصل له من الكتاب أو السنة بل هو مأخوذ من كلام الفلاسفة الذين يزعمون أن للعالم صانعاً ليس بعالم ولا قادر ولا حي (٢).

كما أن مذهب المعتزلة في الذات قريب من مذهب اليونان القائلين بأن ذات الله واحدة، لا كثرة فيها بوجه من الوجوه (٣).

ثالثاً: أن أصل هذه القاعدة التي اعتمد عليها المعتزلة في نفي الصفات إنما هي مأخوذة من قولهم في دليل حدوث العالم (٤)، الذي أثبتوا فيه حدوث العالم بحدوث الأجسام وهذا دليل قد بين الأشعري في رسالته إلى أهل الثغر: أنه دليل محرم في شرائع الأنبياء، ولم يستدل به أحد من الرسل ولا أتباعهم (٥)، فهي بهذا طريق يحرم سلوكها لما فيها من لخطر والتأويل، وما يلزم عليها من لوازم باطلة؛ لأنها مستلزمة لنفي الصانع بالكلية، وهي مستلزمة لنفي صفاته، ونفي أفعاله، ونفي المبدأ والمعاد، فهذه الطريق لا تتم إلا بنفي سمع الرب، وبصره، وقدرته، وحياته، وإرادته، وكلامه، فضلاً عن نفي علوه على خلقه، ونفي الصفات الخبرية من أولها إلى آخرها، فلو صحت هذه الطريقة لنفت الصانع، وأفعاله، وصفاته، وكلامه، وخلقه للعالم، وتدبيره له، وما يثبته أصحاب هذه الطريقة من ذلك لا حقيقة له، بل هو


(١) انظر: كتاب: موقف ابن تيمية من قضية التأويل ص ٣٨١ - ٣٨٥.
(٢) مقالات الإسلاميين ٢/ ١٧٧، وموقف المعتزلة من السنة النبوية ص ٥٣.
(٣) موقف المعتزلة من السنة النبوية ص ٥٣.
(٤) انظر الكلام على دليل حدوث العالم في: مجموع الفتاوى ١٣/ ١٥٣.
(٥) انظر كتاب: رسالة أهل الثغر ص ١٦٤ - ١٧٢ تحقيق عبد الله شاكر الجنيدي، رسالة ماجستير من قسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية.

<<  <  ج: ص:  >  >>