فبدأ بالقسم الأول والثاني فقال: أما الأوَّلان فقسمان، أحدهما من يجريها على ظاهرها، ويجعل ظاهرها من جنس صفات المخلوقين، فهؤلاء المشبِّهة وهنا قال: إن المشبهة أجروا هذه النصوص على ظاهرها، ولكنهم جعلوا ظاهرها من جنس صفات المخلوقين، كقولهم: له يد كيدي، وسمع كسمعي، وبصر كبصري، فهم من جهة أثبتوا الصفة فأثبتوا اليد، وأثبتوا السمع، وأثبتوا البصر، وأثبتوا الاستواء، وأثبتوا سائر الصفات، لكنهم تعمقوا في شأن الكيفية، وجعلوا تلك الصفات من جنس ما للمخلوق.
وسبق أن ذكرنا شبهة هؤلاء بأنهم يقولون: إن الله تعالى لا يُخاطبنا إلا بما نعقل، فإذا كلمنا عن يدٍ، فنحن لا نعقل من اليد إلا هذه اليد الجارحة، ولذلك نقول: له يد كيدي، ونقول: له سمع كسمعي، وبصر كبصري.
وقلنا: إن هذه الحجة في غاية الضعف؛ لأنه ليس من شرط الإيمان بالأشياء أن تعقل حقائقها، فهذه الروح بين جنبي الإنسان ولا يمكن له أن ينكر وجودها، ومع ذلك لا يمكن أن يدرك كنهها أو حقيقتها، وكذلك كثير من المغيبات أخبر الله ﷾ عنها، ولكن مع ذلك لا ندرك كيفيتها أو حقيقتها كما في شأن الملائكة، وكما في شأن الجنة والنار، وكما في شأن الكثير من الأمور الغيبية.
فهذا القسم لا شك أن مذهبهم باطل، كما قال:«ومذهبهم باطل، أنكره السلف»، فالأئمة نصوصهم كثيرة في الإنكار على المشبهة، ولا شك أن الردود عليهم ذكرها جمع من السلف، وهذا القول قال به الهشامية من الروافض، فقدماء الرافضة كانوا على مذهب التمثيل والتشبيه، وكذلك هذا القول موجود عند الكرامية، كما ذكر في كتب «المقالات».