فهؤلاء قالوا: إن هذه النصوص على خلاف ظاهرها، والمراد منها لا يعلمه إلا الله. فسكتوا عن بيان المراد منها زعمًا منهم أنه لا يعلم ذلك إلا الله ﷾.
فهم في هذا يخيرون أنفسهم بين طريقين: إما أن يأوِّل، وإما أن يفوِّض كما يقول ناظمهم في هذا، يقول اللقاني ناظم جوهرة التوحيد، يقول في هذا:
«وكل نص أوهم التشبيها … أوله أو فوِّض ورُم تنزيها «(١)
ويقول شارحها البيجوري:«الحاصل أنه إذا ورد في القرآن أو السنة ما يشعر بإثبات الجهة أو الجسمية أو الصورة أو الجوارح، اتفق أهل الحق وغيرهم ما عدا المجسِّمة والمشبهة، على تأويل ذلك لوجوب تنزيهه تعالى عما دلَّ عليه ما ذكر بظاهره» اه.
فالغاية واحدة وهي على حد زعمهم تنزيه الله ﷿ عن صفة اليد مثلاً، أو تنزيهه عن صفة الاستواء.
لكن بعد ذلك طريقهم في هذا على أحد أمرين: إما أن يقولوا: استوى بمعنى استولى، أو اليد بمعنى النعمة أو القدرة، أو يسكت عن ذلك فيقول: الله أعلم بمراده لكن النتيجة واحدة، وهي إنكار الاستواء، وإنكار صفة اليد.
والفرق بين المفوض والمؤول أن المفوِّض يصرف اللفظ عن المعنى الراجح: لكن لا إلى معنى، بينما المؤول يصرف اللفظ عن المعنى الظاهر الراجح إلى معنى مرجوح، فيتفقان في صرف اللفظ عن المعنى المتبادر، ويفترقان في أن أحدهما يعطيه معنى آخر محتملاً، والثاني يمنع عنه المعنى، ولكنهم في النهاية يلتقون عند نتيجة مشتركة، وهي: رفض وصف الله بما وصف به نفسه وتنزيهه عما وصف به نفسه.
وقد أراد المفوض التخلص من أذى التأويل _ بل التحريف _ الذي يمرض القلوب فوقع في مرضٍ آخر هو التفويض الذي حقيقته تجاهل معاني أسماء الله وصفاته والادعاء بأن الله أنزلها ولم يرد منا معرفة معناها فجهلها رسول الله ﷺ وأصحابه، وكان ﷺ يحفظ أسماءً مجردة عن المعاني.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأبو المعالي وأتباعه نفوا هذه الصفات -أي الصفات الخبرية-موافقة للمعتزلة والجهمية. ثم لهم قولان:
أحدهما: تأويل نصوصها، وهو أول قولي أبي المعالي، كما ذكره في الإرشاد.