للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فهذه شهادة من عالمين من علماء هذا الفن، وقد نقل المؤلف هذه الشهادات، ووضعها تحت عنوان: «شهرة القصة» ولكن -والله أعلم-يبدو أنه لم يتنبه لمعنى هذه العبارة ودلالتها في معايير أهل النقد، ولذلك فإني أقول إن المؤلف جازف بقوله: (فهي غير ثابتة على معايير أهل النقد) فيجب عليه الرجوع إلى معايير نقد الروايات التاريخية، ويفرق بينها وبين معايير المحدثين قبل أن يخوض في المسألة بمثل هذا الخوض المجانب للصواب.

٢ - وأما الشرط الثاني الذي ذكره شيخ الإسلام فهو «تعدد الطرق» وقصة قتل الجعد جاءت من طريقين سبق ذكرهما وقد ذكرهما الذهبي في العلو للعلي الغفار وذكرها المؤلف في كتابه.

وبما أن القصة قد تحقق فيها شرط الشهرة وشرط تعدد الطرق. فهي كما ذكر شيخ الإسلام تكون معتبرة عند أهل الفن، ولا يضرها كونها مرسلة أو منقطعة أو غير ذلك من العلل التي يمكن اعتبارها سبباً في رد الأحاديث المرفوعة ومن المعلوم أن الأخبار التاريخية يتسامح فيها بما لا يتسامح فيه فيما يتصل بالسنة، ويا ليت المؤلف المذكور أمعن النظر في تعليق الألباني على العلو للذهبي، حيث قال معلقاً على صنيع ابن أبي حاتم في رواية هذه القصة عن عيسى بن أبي عمران مع قوله في الجرح والتعديل: (كتبت عنه بالرملة، فنظر أبي في حديثه، فقال: يدل حديثه أنه غير صدوق، فتركت الرواية عنه) (١) فقال الألباني: (قلت: ولعل روايته عنه هذه القصة، لأنها ليست حديثاً مرفوعاً، والله أعلم) (٢) انتهى كلام الألباني، وكلامه يدل على التفريق بين الفنين فن الحديث وفن التاريخ. فلكل واحد منهما قواعد وضوابط تخصه.

قال ابن تيمية : (فعلماء الدين أكثر ما يحررون النقل فيما نقل عن النبي لأنه واجب القبول أو فيما ينقل عن الصحابة، وأما الإسرائيليات ونحوها فهم لا يكترثون بضبطها ولا بأحوال نقلها.) (٣) بل حتى في فن الحديث يفرق بين الأحاديث المتعلقة بالعقائد والأحكام والحلال والحرام والسنن والأحاديث المتعلقة بفضائل الأعمال والترغيب والترهيب والدعوات، فيتساهل في أسانيد هذه ويتشدد في أسانيد تلك.


(١) -٦/ ٢٨٦.
(٢) -مختصر العلو ص ١٣٤.
(٣) الرد على البكري ص ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>