للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوة السلطان وموقفه من أهل البدع، بحيث لم يتمكن الجعد من بثِّ هذه المقالة ونشرها إلا على نطاق ضيق محدود.

ولهذا السبب ما اشتهرت نسبة هذه المقالة للجعد، وإنما اشتهرت نسبتها إلى الجهم، لأن الجهم بعد ذلك فرَّ إلى خرسان واستطاع أن يكون له مهلة من الوقت، إذ أنه وجد هناك من هو خارج على بني أمية، وهو الحارث بن سريج الذي خرج على بني أمية، ولحق به الجهم بن صفوان فوجده خارجًا، وتحالف معه، وكان الحارث قد عيَّن الجهم في وظيفة، ما يسمى الداعي، أي الناطق الرسمي باسم الحارث، فكان الجهم هو الذي يذهب إلى مجامع الناس وإلى مساجدهم، وينشر الدعوة إلى الخروج على بني أمية وعلى هشام بالذات، والدعوة إلى بدعته التي هو عليها، فوجد مرتعًا خصبًا في ذلك.

فالجهم اشتهرت عنه هذه المقالة؛ لأنه هو الذي تمكن من إظهارها بسبب خروجه إلى خرسان، وكون الأمر في ذلك الحين، يعني في تلك المناطق غير مستتب لبني أمية، مع أن هشام أرسل جيشًا بقيادة سلمة بن أحوز إلى خرسان لأجل أن يستتب الأمر هناك، وفعلاً استطاع هذا الجيش بعد وفاة هشام أن يقتل الحارث، واستطاع أن يقبض على الجهم بن صفوان، ويقتله، وقال قائد الجيش: "والله لو كنت في بطن أمي لشققته لكي أخرجك وأقتلك" (١). فلم يكن قائد هذا الجيش بالمتهاون أو المتساهل مع الجهم بن صفوان بل أمر بقتله، وكان شديدًا على الخارجين على بني أمية في ذلك الحين.

والجهم هو الذي نشر ذلك المذهب وتكلم عليه فبسطه وطراه ودعا إليه، وامتاز عن شيخه الجعد بمزية المبالغة في النفي وكثرة إظهار ذلك والدعوة إليه، نظراً لما كان عليه من سلاطة في اللسان، وكثرة الجدل والمراء.

فهو صاحب ذلك المذهب الخبيث الذي اشتهر بنسبته إليه والذي صار به مذهباً، فلم يزل هو يدعو إليه الرجال، وامرأته «زهرة» تدعو إليه النساء، حتى استهويا به خلقاً من خلق الله كثيراً.

وكانت فتنته بالمشرق، فهناك بسطت ومهدت ثم سارت في البلاد (٢)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ثم ظهر جهم بن صفوان من ناحية المشرق من ترمذ، ومنها ظهر رأي جهم. ولهذا كان علماء السنة والحديث بالمشرق أكثر كلاماً


(١) انظر كتاب البداية والنهاية الجزء العاشر صفحة (٢٩).
(٢) ذم الكلام للهروي ص ٣٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>