للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والأمر الثاني: أن المعلومات أو العلوم تنحصر في المحسوسات المشاهدة، أو كما يسمونها اليوم العلوم التطبيقية.

فبناءً على هذا المبدأ فإنهم يقدمون العقل على النقل ويطعنون في النقل، وانظر إلى مواقف هؤلاء تجدها في كتبهم منصوص عليها كما سبق بيانه.

وعلى هذا فإن الفرق بين أهل السنة وبين هؤلاء جوهري، فهؤلاء يقررون مسائل ويعرضون مسائل على منهج فلسفي منطقي عقلي ركَّبوه وصنعوه من عند أنفسهم، وبالتالي ما جوَّزته عقولهم قبلوه وما لم تجوِّزه عقولهم ردوه.

فهذه قضية خطيرة ومن أخطر القضايا في هذا الباب؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: ٥٩]، فكيف يمكن أن نردَّ هذا النزاع الذي يحصل بين أهل السنة وبين الأشاعرة في مسائل التوحيد وفي مسائل النبوات؟، كيف يمكن أن نرد هذا النزاع إلى الكتاب والسنة والقوم لا يعتمدون الكتاب والسنة وإنما يشككون فيهما؟

وهذا التشكيك جاء من طريقين:

أولًا: إما من طريق الطعن في حجية النصوص.

ثانياً: الطعن في دلالة النصوص.

فما استطاعوا أن يشكِّكوا في ثبوته شكَّكوا فيه، فقسموا النصوص إلى قسمين: متواترٍ وآحادٍ، وقالوا: إن أخبار الآحاد لا يحتجُّ بها في باب العقائد، بمعنى أنه ولو جاء في البخاري ومسلم حديث في هذا الباب في باب التوحيد يتعلق بمسألة من مسائل الاعتقاد فإنه مردود، وليت الردُّ كان على ميزان أهل الحديث واصطلاح أهل الحديث، فلا شك أن الحديث إذا كان إسناده غير صحيح فإنه لا تقوم به حجة، ولكن اعلم أن قول هؤلاء إن أخبار الآحاد لا يحتج بها في باب العقائد، ليس على ميزان الصحة والضعف ولكن هذا ردٌّ بإطلاق، رد بماذا؟ بإطلاق، واقرأ هذا في كلام هؤلاء.

وقد نص عليه الغزالي مثلًا في المستصفى، فقال: "وظواهر أحاديث التشبيه أكثرها غير صحيحة" (١). وأحاديث التشبيه يقصد بها أحاديث الصفات، هذا كلام المصطفى -كيف يُنبز بهذا الوصف الذي ينفر السامع؟ ثم كيف تحكم عليها هكذا


(١) انظر كتاب الاقتصاد في الاعتقاد للغزالي صفحة (١١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>