للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو لماذا هؤلاء الأشاعرة يأخذون أقوال الشافعي في الفروع ويقبلونه ويرتضون كلامه، ولا يرتضونه في الاعتقاد وفي مسائل أصول الدين، وهذا من العجيب؛ كيف يتعاملون معه في مسائل ويتركونه في مسائل؟! وهم لا يستطيعون أن يأتوا بحرف واحد عن الشافعي--يؤيد هذه التحريفات، وتدل على أنه قال بمثل تأويلاتهم وتحريفاتهم، بل إن الشافعي وقف خصمًا لهؤلاء كما وقف لحفص الفرد في هذه التأويلات، وكان يسميه حفص القرد.

فهذه التأويلات الموجودة اليوم بأيدي الناس، أي الموجودة عند الأشاعرة والماتريدية، مثل أكثر التأويلات التي ذكرها ابن فورك، وابن فورك له كتاب تأويل مشكل الحديث وهو كتاب مطبوع، فانظر إلى تأويلاته تجدها بضاعة بشر المريسي ومن سلك سبيلهم من الجهمية.

فقبل أن تُعرف الأشعرية، وقبل أن تُعرف الكلابية، كانت هذه التأويلات موجودة وهؤلاء أخذوها وتلقَّفوها منهم، حتى إن المتأخرين من الأشاعرة أيضًا وصلوا إلى درجة في النفي للصفات قاربوا فيها المعتزلة؛ لأن كلًّا من إمام الحرمين الجويني والغزالي والرازي تأثروا كثيرًا بالمعتزلة، بل ولم يكتفوا بذلك حتى تأثروا بالفلاسفة.

فهذا ابن العربي يقول عن شيخه أبي حامد الغزالي، يقول عنه: "أمرضه الشفا" (١). والشفا لابن سينا، الشفا ليس شفا القاضي عياض.

ويقول: "شيخي أبو حامد دخل في بطون الفلاسفة فما استطاع أن يخرج منهم" (٢)، فتأثر بكلام هؤلاء أو بضاعة هؤلاء.

فهذه التأويلات مذكورة في كتاب مشكل الحديث لابن فورك، ومذكورة كذلك في تأسيس التقديس الذي رد عليه شيخ الإسلام في كتاب نقض تأسيس الجهمية، رد ابن تيمية -على الرازي في كتابه تأسيس التقديس، رد عليه بكتاب نقض تأسيس الجهمية، وذكر فيه كلام الرازي ورد عليه، وهو كتاب يقع في مجلدين.

وقول المصنف: "ويوجد كثير منها في كلام خلق كثير غير هؤلاء". فبعد أن ذكر مثالًا للأشاعرة وهو ابن فورك وهو من المتقدمين، والرازي وهو من متأخري الأشاعرة، فقال المصنف: "مثل أكثر التأويلات التي ذكرها أبو بكر بن فورك في كتاب «التأويلات» وذكرها أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي في كتابه الذي سماه «تأسيس التقديس» "


(١) انظر كتاب الرد على المنطقيين صفحة (٥١٠).
(٢) انظر كتاب درء تعارض العقل والنقل الجزء الأول صفحة (٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>