للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بما جاء عن الرسول، وأقوال السلف في تفسير القرآن وأصول الدين، وما بلغوه عن الرسول؛ ففي النفاة كثير ممن له معرفة بذلك.

قيل: هؤلاء أنواع:

(النوع الأول): نوع: ليس لهم خبرة بالعقليات، بل هم يأخذون ما قاله النفاة من الحكم والدليل، ويعتقدونها براهين قطعية، وليس لهم قوة على الاستقلال بها، بل هم في الحقيقة مقلِّدون فيها، وقد اعتقد أقوال السلف أولئك، فجميع ما يسمعونه من القرآن والحديث وأقوال السلف لا يحملونه على ما يخالف ذلك، بل إما أن يظنوه موافقاً لهم، وإما أن يُعرِضوا عنه مفوضين لمعناه.

وهذه حال مثل أبي حاتم البستي، وأبي سعد السمان المعتزلي، ومثل أبي ذر الهروي، وأبي بكر البيهقي، والقاضي عياض، وأبي الفرج بن الجوزي، وأبي الحسن علي ابن المفضل المقدسي، وأمثالهم.

(النوع الثاني) والثاني: من يسلك في العقليات مسلك الاجتهاد ويغلط فيها، كما غلط غيره، فيشارك الجهمية في بعض أصولهم الفاسدة، مع أنه لا يكون له من الخبرة بكلام السلف والأئمة من هذا الباب ما كان لأئمة السنة، وإن كان يعرف متون الصحيحين وغيرهما.

وهذه حال أبي محمد بن حزم، وأبي الوليد الباجي، والقاضي أبي بكر بن العربي وأمثالهم، ومن هذا النوع: بشر المريسي ومحمد بن شجاع الثلجي، وأمثالهما.

(النوع الثالث) ونوع ثالث: سمعوا الأحاديث والآثار وعظَّموا مذهب السلف، وشاركوا المتكلمين الجهمية في بعض أصولهم الباقية، ولم يكن لهم من الخبرة بالقرآن والحديث والآثار ما لأئمة السنة والحديث، لا من جهة المعرفة والتمييز بين صحيحها وضعيفها، ولا من جهة الفهم لمعانيها، وقد ظنوا صحة بعض الأصول العقلية للنفاة الجهمية، ورأوا ما بينهما من التعارض.

وهذا حال أبي بكر بن فورك، والقاضي أبي يعلى، وابن عقيل وأمثالهم.

ولهذا كان هؤلاء تارة يختارون طريقة أهل التأويل، كما فعله ابن فورك وأمثاله في الكلام على مشكل الآثار.

وتارة يفوضون معانيها، ويقولون: تجري على ظواهرها، كما فعله القاضي أبو يعلى وأمثاله في ذلك.

وتارة يختلف اجتهادهم، فيرجحون هذا تارة وهذا تارة، كحال ابن عقيل وأمثاله.

<<  <  ج: ص:  >  >>