للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تأويلاً، وهو اصطلاح فاسد حادث لم يعهد به استعمال في اللغة (١).

ومن أمثلة تحريف المعنى:

كقول المعطلة في معنى استوى: استولى في قوله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ (٢).

وفي معنى اليد في قوله تعالى: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان﴾ (٣) النعمة والقدرة.

وفي معنى المجيء في قوله تعالى: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾ (٤) وجاء أمر ربك.

وقد ذكر الله التحريف وذمه حيث ذكره، وهو مأخوذ في الأصل عن اليهود، فهم الراسخون فيه، وهم شيوخ المحرفين وسلفهم، فإنهم حرفوا كثيرًا من ألفاظ التوراة وما غلبوا عن تحريف لفظه حرفوا معناه، ولهذا وصفوا بالتحريف في القرآن دون غيرهم من الأمم.

وقد درج على آثارهم الرافضة، فهم أشبه بهم من القذة بالقذة، وكذلك الجهمية، فإنهم سلكوا في تحريف النصوص مسالك إخوانهم في اليهود (٥).

وأصحاب تحريف الألفاظ شر من أصحاب تحريف المعنى من وجه.

وأصحاب تحريف المعنى شر من أصحاب تحريف اللفظ من وجه.

فأصحاب تحريف اللفظ عدلوا باللفظ والمعنى جميعًا عما هما عليه فأفسدوا اللفظ والمعنى، بينما أصحاب تحريف المعنى أفسدوا المعنى وتركوا اللفظ على حاله فكانوا خيرًا من أولئك من هذا الوجه.

فأصحاب تحريف اللفظ لما أرادوا المعنى الباطل حرفوا له لفظًا يصلح له لئلا يتنافر اللفظ والمعنى، بحيث إذا أطلق ذلك اللفظ المحرف فهم منه المعنى المحرف، فإنهم رأوا أن العدول بالمعنى عن وجهه وحقيقته مع بقاء اللفظ على حاله مما لا سبيل إليه، فبدأوا بتحريف اللفظ ليستقيم لهم حكمهم على المعنى الذي قصدوا (٦).

وأما كون أصحاب تحريف المعنى شرا من أصحاب تحريف اللفظ من وجه، فلأن تحريف المعنى هو الأكثر استعمالا عند أصحاب التحريف، ولأنه أسهل رواجا وسوقًا عند الجهلة والعوام من الناس، فيفتتن به من ليس لديه زاد من العلم الصحيح المعتمد على الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة.


(١) مختصر الصواعق ٢/ ١٤٧
(٢) الآية ٥ من سورة طه
(٣) الآية ٦٤ من سورة المائدة
(٤) الآية ٢٢ من سورة الفجر
(٥) الصواعق المرسلة ١/ ٢١٥ - ٢١٦
(٦) مختصر الصواعق ٢/ ١٤٧، ١٤٨

<<  <  ج: ص:  >  >>