للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من باطله ليس هذا موضعه، وقد تكلمنا عليه في غير هذا الموضع.

وكثير من الجهَّال أهل الحال وغيرهم يقولون: إنهم يرون الله عياناً في الدنيا، وأنه يخطو خطوات" (١).

فأدخلوا في ذلك من الأمور ما نفاه الله ورسوله، حتى قالوا: إنه يُرى في الدنيا بالأبصار، ويصافح، ويعانق، وينزل إلى الأرض، وينزل عشية عرفة راكباً على جمل أورق يعانق المشاة ويصافح الركبان. وقال بعضهم: إنه يندم ويبكي ويحزن، وعن بعضهم أنه لحم ودم، ونحو ذلك من المقالات التي تتضمن وصف الخالق بخصائص المخلوقين.

والله سبحانه منزه عن أن يوصف بشيء من الصفات المختصة بالمخلوقين، وكل ما اختص بالمخلوق فهو صفة نقص، والله تعالى منزَّه عن كل نقص ومستحق لغاية الكمال، وليس له مثل في شيء من صفات الكمال، فهو منزه عن النقص مطلقاً، ومنزه في الكمال أن يكون له مثل، كما قال تعالى ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص ١ - ٤]، فبين أنه أحدٌ صمدٌ، واسمه الأحد يتضمن نفي المثل، واسمه الصمد يتضمن جميع صفات الكمال، كما قد بيَّنا ذلك في الكتاب المصنَّف في تفسير قل هو الله أحد" (٢).

بقي هنا مسألة وهي: هل التمثيل والتشبيه بمعنى واحد؟

في أصل اللغة هما بمعنيين؛ لأن المماثلة مساواة الشيء بغيره من كل الوجوه، فتقول: هذا مِثْلُ هذا بمعنى أنه تماماً بتمام، هذا هو التمثيل، فمساواة الشيء بغيره من كل الوجوه، فهذا يسمى التمثيل.

أما مساواة الشيء بغيره في بعض الوجوه فهذا هو التشبيه، هذا في أصل الاستعمال أن التمثيل: هو مساواة الشيء بغيره من كل وجه، والتشبيه: مساواة الشيء بغيره في بعض الوجوه.

ولكن هنا في استعمال العلماء يقصدون بهما أمراً واحداً؛ لأنه لا نجد أن هناك من يقول: إن لله مماثلاً له من كل وجه، ومثلَا الذي قال: «له يدٌ كيدي، ووجهٌ كوجهي، أو سمعٌ كسمعي، وبصرٌ كبصري» (٣) فهذا يكون قد ساوى مثلاً في الجسم


(١) منهاج السنة (٢/ ٦٢٢ - ٦٢٥).
(٢) منهاج السنة (٢/ ٥٢٨ - ٥٣٠).
(٣) تقدم الإشارة إليه في صفحة (١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>