للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أنت لو لَمَحت أحدًا من الناس وأنت على معصية لربما استحييت منه، ولربما خِفت أن يُفشي سِرَّك! فكيف وأنت أمام عالم الغيب والشَّهادة، المُطَّلِع على جميع أحوالك وعلى جميع أمورك وعلى جميع سكناتك وعلى جميع حركاتك؛ ألا تستحي مِنْ الله ﷿؟! وكما يذكرون أنَّ رجلًا لقي أعرابية فأرادها على نفسها فأَبَت وقالت: أي ثكلتك أمك، أَمَا لك زاجر من كرم؟ أما لك ناهٍ مِنْ دين؟ قال: قلت: واللهِ إنَّه لا يَرانا إلا الكواكب، قالت: ها بأبي أنت، وأين مُكوكبها» (١)؛ فأراد أن يُطمأنها أنَّه لا يراهم أحد إلا هذه الكواكب! فقالت له: «وأين مُكوكبُها؟!»؛ فذكَّرَته بالله ﷿ في تلك اللحظة؛ فقام عنها، وكان ذلك سببًا في هدايته.

فنحن لو استحضرنا معاني أسماء الله وصفاته لكان هذا سببًا في حياة قلوبنا، ولكنَّ قلوبَنا مُلئت بالغفلة عن الله ﷿ والإعراض عن معرفة أسمائه وصفاته؛ فأصابها ما أصابها من أمراض أثقلت كواهلنا، وأفسدت علينا أمر ديننا، وأفسدت علينا أمر دنيانا، بل إن الواحد منا يقف في الصلاة ويسمع آيات الله سبحانه تُتلى عليه، ومع ذلك قلبه قاسٍ، وأصبح قلبًا متحجرًا مهما ذُكِّر بآية عذاب أو وعيد لا يهتز لها، ولا يتحرك لها شعور في قلبه من ذِكر شيء من آيات الله ﷿؛ فأصابنا ما أصابنا من أمراض في قلوبنا وفي نفوسنا بسبب أننا غفلنا عن معرفة الله ﷿.

فليتنا نعودُ إلى أسماء الله وصفاته! ليتنا نتدبر ما جاء فيها من معانٍ، وما تُثمره من ثمرات! أنت إذا أثمرت هذه المعرفة في قلبك التوكل حصلت عِزَّة للمؤمن، وحصلت طمأنينة للنفس، وكذلك إذا حصل حياء وإذا حصل خوف وإذا حصلت خشية منعك هذا مِنْ أن تقترف معصية؛ لا في السر ولا في العلن. إذا حصلت هذه المعرفة قامت بك محبةٌ لله تعالى وتعظيم وإجلال.

هذه المعرفة وهذه المحبة وهذا التعظيم وهذا الإجلال يحملك على أن تُراقب الله ﷿ في جميع أحوالك، وأن يكون اللهُ تعالى أحبَّ إليك مِنْ كل شيء وأعظم وأكبر وأجَل من كل شيء، لكن للأسف حَرمنا قلوبنا من ذلك، فلربما استحقت وعيدَ الله ﷿: ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٢٢]؛ فقست القلوب، والقلوب تقسو، بل وتمرض وتموت، والله تعالى قد قال: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [المطففين: ١٤]؛ فالران: هو الصدأ؛ يعلو على هذه القلوب حتى تصبح هذه القلوب صَدِأَة، هذه القلوب قاسية مُبتعدة عن ذكر الله ﷿.


(١) أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (٢/ ٢٦٥) عن العتبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>