للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(واعلم أن فصل ما بيننا وبين المعطلة هو "مسألة العقل"، فإنهم أسسوا دينهم على المعقول، وجعلوا الاتباع والمأثور تبعًا للمعقول.

وأما أهل السنة فقالوا: الأصل في الدين الإتباع، والمعقول تبع، ولو كان أساس الدين على المعقول لاستغنى الخلق عن الوحي، وعن الأنبياء، ولبطل معنى الأمر والنهي، ولقال من شاء ما شاء) (١).

وبهذا امتاز أهل السُنَّة عن المعَطِّلَة؛ لأن الأصل عند المُعَطِّلَة في هذا الباب هو العقل، فما أجازته عقولهم قبلوه، وما لم تجزه عقولهم ردُّوه وسعوا في نفيه وفي تأويله وتحريفه.

فهذا شأن أهل السُنَّة وهذا شأن المعَطِّلَة، وهذا هو الفيصل بين عقيدة أهل السُنَّة وبين عقيدة المعَطِّلَة؛ أن أصل أهل السُنَّة هو كلام الله ﷿ وكلام رسوله ، وما ورد إثباته يُثبَت وما ورد نفيه يُنفَى عن الله ﷿، لا نتجاوز الكتاب والسنة، كما قال الإمام الأحمد رحمه الله تعالى: «لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله ، لا يُتجاوز القرآن والحديث» (٢).

فالتقرير بأن النقل مقدم على العقل لا ينبغي أن يفهم منه أن أهل السنة ينكرون العقل والتوصل به إلى المعارف والتفكير به في خلق السموات والأرض، وفي الآيات الكونية الكثيرة، فأهل السنة لا ينكرون استعمال العقل، ولكتهم توسطوا في شأن "العقل" بين طائفتين ضلتا في هذا الباب، هما:

أهل الكلام: الذين يجعلون العقل وحده أصل علمهم، ويفردونه، ويجعلون الإيمان والقرآن تابعين له، والمعقولات عندهم هي الأصول الكلية الأولية، المستغنية بنفسها عن الإيمان والقرآن.

فهؤلاء جعلوا عقولهم هي التي تثبت وتنفي والسمع معروضا عليها، فإن وافقها قيل اعتضادًا لا اعتمادًا، وإن عارضها رُدَّ وطُرِحَ، وهذا من أعظم أسباب الضلال التي دخلت على هذه الأمة.

وأهل التصوف: الذين يذمون العقل ويعيبونه، ويرون أن الأحوال العالية، والمقامات الرفيعة، لا تحصل إلا مع عدمه، ويقرون من الأمور بما يكذب صريح العقل.


(١) المصدر السابق ١/ ٣٢٠
(٢) انظر كتاب الفتوى الحموية الكبرى صفحة (٢٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>