للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

للمخلوقات، ومن المباينة العلو عليها لما تقدم من تقريره" (١).

الدليل الثالث: أنه قد ثبت بصريح المعقول أن الأمرين المتقابلين إذا كان أحدهما صفة كمال والآخر صفة نقص، فإن الله يوصف بالكمال منهما دون النقص، فلما تقابل الموت والحياة، وصف بالحياة دون الموت، ولما تقابل العلم والجهل، وصف بالعلم دون الجهل، ولما تقابل القدرة والعجز، وصف بالقدرة دون العجز، ولما تقابل المباينة للعالم والمداخلة له، وصف بالمباينة دون المداخلة، وإذا كان مع المباينة لا يخلو إما أن يكون عالياً على العالم أو مسامتا له، وجب أن يوصف بالعلو دون المسامتة، فضلاً عن السفول.

والمنازع يسلم أنه موصوف بعلو المكانة وعلو القهر، وعلو القهر، وعلو المكانة معناه أنه أكمل من العالم، وعلو القهر مضمونه أنه قادر على العالم، فإذا كان مبايناً للعالم كان من تمام علوه أن يكون فوق العالم، ولا محاذياً له ولا سافلاً عنه.

ولما كان العلو صفة كمال، وكان ذلك من لوازم ذاته، فلا يكون مع وجود غيره إلا عالياً عليه، ولا يكون قط غير عالٍ عليه (٢).

وبهذه النماذج التي أوردناها عن الأدلة العقلية يتضح لنا مدى دلالة المعقول الصريح على إثبات علو الله ومباينته لخلقه وكذلك مدى مخالفة أقوال المعطلة والحلولية لصريح المعقول وصحيح المنقول.

فالسؤال الذي يفرض نفسه إذا كان العقل هو الحكم على هذه الأمور نفياً وإثباتاً فعقل من نتبع وكل واحد من هؤلاء فيما ينفيه يزعم أن العقل أحال ذلك، وأنه مضطر إلى التأويل على حد قوله، فالحجة واحدة والمزاعم مختلفة.

والجواب كما قال المصنف: "ويكفيك دليلاً على فساد قول هؤلاء أن ليس لواحد منهم قاعدة مستمرة فيما يحيله العقل، بل منهم من يزعم أن العقل جوّز أو أوجب ما يدّعي الآخر أن العقل أحاله".

فكيف يطلب هؤلاء تحكيم عقولهم في نصوص الكتاب والسنة، ثم استشهد المصنف هنا بمقولة الإمام مالك رحمه الله تعالى فقال: "فيا ليت شعري بأي عقل يُوزن الكتاب والسنة، فرضي الله عن الإمام مالك بن أنس حيث قال: "أوَكلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل إلى محمد لجدل هؤلاء؟ " (٣).


(١) مختصر الصواعق (١/ ٢٧٩ - ٢٨٠).
(٢) درء تعارض العقل والنقل (٧/ ٥ - ٦).
(٣) انظر حليلة الأولياء لأبي نعيم الجزء السادس، صفحة (٣٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>