للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ينبغي على المؤمن مع حرصه على إكمال توحيده أن يحرص كذلك على نيل هذا الشرف العظيم، وهو أن يكتسب هذا العلم الصحيح بأسماء الله وصفاته، كذلك مما يدل على شرف هذا العلم: أنه أصل العلوم وأساسها، كما يقول العلماء: «مَنْ عرف الله عرف ما سواه، ومَن جهل ربَّه فهو لما سواه أجهل» (١).

وتأمل هذا وخذه من قول الله ﷿ حيث قال: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ﴾ [الحشر: ١٩]، وقد قال النبيُّ في وصيته لابن عباس: «يا غلام- أو- يا غُلَيِّم: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تَجده تُجاهك» (٢)، ونحن نعلم أنَّ حفظ الله ﷿ بمعرفته وعبادته، فإذا ما العبدُ حَفِظ الله ﷿ فإن الله تعالى تعَهَّد بحفظِه، وتعهد بصلاح أمره؛ فيجب أن نعلم أن هذا العلمَ هو أصلُ العلوم الدينية.

فنسيان العبد لربه عقوبته أن الله ﷿ يُنسيه أمرَ نفسِه وصلاحَ نفسه؛ يقول ابن القيم في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ﴾ [الحشر: ١٩]: «تأمل هذه الآية تجد تحتها معنى شريفًا عظيمًا، وهو أنَّ مَنْ نَسِي ربَّه أنساه ذاتَه ونفسَه؛ فلم يَعرف حقيقته ولا مصالحه، بل نَسِيَ ما به صلاحُه وفلاحُه في معاشه ومَعاده؛ فصار مُعَطَّلًا مُهملًا بمنزلة الأنعام السَّائبة، بل ربُّما كانت الأنعام أخبر بمصالحها منه؛ لبقائها هداها الذي أعطاها إيَّاه خالقُها» (٣)، وهذا تجده- كذلك- في قوله تعالى: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: ٢٨]، قال قتادة: «أضاع أكبر الضَّيعة؛ أضاع نفسه وعسى مع ذلك أن تجده حافظًا لما له، مُضَيِّعًا لدينه» (٤).

فإذا أنت علمت هذا الباب أصلحت أساس العلم عندك؛ فعلمك ومعرفتك بالله ﷿ ستنبني عليها جميعُ المعارف؛ لأن هذا أصلُ العلم وأصلُ الدِّين، وإن كنت مضيعًا لهذا الباب ضَيَّعت جميعَ أحوالك وجميع أمورك وجميع مصالحك في دنياك وفي أُخراك.


(١) انظر «مفتاح دار السعادة» (١/ ٨٦).
(٢) أخرجه الترمذي (٢٥١٦)، وأحمد في «مسنده» (٢٦٦٩) من حديث ابن عباس ، وقال: «حسن صحيح»، وصححه الألباني في «المشكاة» (٥٣٠٢).
(٣) «مفتاح دار السعادة» (١/ ٨٦).
(٤) أخرجه ابن أبي الدنيا في «محاسبة النفس» (ص ٢٥)، وقال الإمام ابن كثير: «﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾، أي: شغل عن الدين وعبادة ربه بالدنيا، ﴿وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: ٢٨]، أي: أعماله وأفعاله سفه وتفريط وضياع، ولا تكن مطيعًا له ولا محبًّا لطريقته، ولا تغبطه بما هو فيه» «تفسير ابن كثير» (٥/ ١٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>