الكلم ولا في المبادئ المقومة له، ولا في قول الشارح ولا غير ذلك مما ينافي وحدة واجب الوجود وبساطته المطلقة" (١).
والمتأمل لهذه العبارات التي أوردها ابن سينا يعرف أنها إنما هي مجرد اصطلاحات اصطلحها هو وأمثاله من الفلاسفة الذين تأثروا بفلسفة اليونان، فجعلوا من تلك العبارات المبتدعة ما أسموه بالتوحيد، وادعوا أن ما تضمنته هو التنزيه، مع أنها في الحقيقة متضمنة لنفي جميع الصفات بما فيها العلو والاستواء.
فقوله:(إن واجب الوجود بذاته واحد بسيط لا تكثر فيه بوجه من الوجوه) يعني به أنه ليس لله تعالى صفة ولا قدر، لأن ذلك على رأيه يستلزم التجسيم والتجزئة والتركيب فيلزم نفيه، لأنه يلزم من ذلك الحدوث والافتقار وذلك ينافي واجب الوجود.
فابن سينا وأمثاله من الفلاسفة يعتمدون في نفي الصفات على حجة التركيب والتي هي:(أنه لو كان له صفة لكان مركباً، والمركب يفتقر إلى جزئيه، وجزؤه غيره، والمفتقر إلى غيره لا يكون واجباً بنفسه) وهم بهذا الكلام تجدهم قد نفوا صفات الباري جميعها.
ولو توقفنا عند العبارة السابقة وهي قوله:(أن واجب الوجود بذاته واحد بسيط … ) من أجل بيان ما فيها من مخالفة لكتاب الله وسنة رسوله ﷺ وحتى مخالفتها للعقل الذي يقدمه هؤلاء على كل شيء. لوجدنا هذه العبارة هي تفسير للواحد بما لا أصل له في الكتاب أو السنة، بل هو تفسير باطل شرعاً وعقلاً ولغة.
أما في اللغة: فإن أهل اللغة مطبقون على أن هذا القول ليس هو معنى الواحد في اللغة، إذ القرآن ونحوه من الكلام العربي متطابق على ما هو معلوم بالاضطرار في لغة العرب وسائر اللغات أنهم يصفون كثيراً من المخلوقات بأنه واحد ويكون ذلك جسماً، إذ المخلوقات إما أجسام وإما أعراض عند من يجعلها غيرها أو زائدة عليها.
وإذا كان أهل اللغة متفقين على تسمية الجسم الواحد واحداً، امتنع أن يكون في اللغة معنى الواحد الذي لا ينقسم إذا أريد بذلك أنه ليس بجسم وأنه لا يشار إلى شيء منه دون شيء، ولا يوجد في اللغة اسم الواحد إلاّّ على ذي صفة ومقدار لقوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [النساء ١]، ومعلوم أن النفس الواحدة المراد بها