للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

العرب لا تقتضي أن يكون أحد الشيئين مختلطاً بالآخر، وهي إذا أطلقت فليس ظاهرها في اللغة إلا المقارنة المطلقة من غير وجوب مماسة أو محاذاة عن يمين أو شمال، فإذا قيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى.

ولفظ المعية قد استعمل في الكتاب والسنة في مواضع واقتضت في كل موضع أموراً لم تقتضها في الموضع الآخر، وذلك بحسب اختلاف دلالتها في كل موضع وهي قد وردت في القرآن بمعنيين هما:

المعنى الأول: المعية العامة

والمراد بها أن الله معنا بعلمه، فهو مطلع على خلقه شهيد عليهم، ومهيمن وعالم بهم، وهذه المعية هي المرادة بقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.

فالله قد افتتح الآية بالعلم وختمها بالعلم ولذلك أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم تفسير القرآن على أن تفسير الآية هو أنه معهم بعلمه، وقد نقل هذا الإجماع ابن عبد البر (١)، وأبو عمرو الطلمنكي، وابن تيمية (٢)، وابن القيم (٣).

وعلى هذا فلا حجة للمخالفين في ظاهر هذه الآية.

وكذلك أيضاً ما جاء في قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.

فظاهر الآية دال على أن المراد بهذه المعية هو علم الله واطلاعه على خلقه، فقد أخبر الله تعالى في هذه الآية بأنه فوق العرش يعلم كل شيء، وهو معنا أينما كنا، فجمع تعالى في هذه الآية بين العلو والمعية، فليس بين الاثنين تناقض البتة، وهو كقوله في حديث الأوعال: "والله فوق العرش يعلم ما أنتم عليه".

المعنى الثاني: المعية الخاصة

وهي معية الاطلاع والنصرة والتأييد، وسميت خاصة لأنها تخص أنبياء الله


(١) التمهيد (٧/ ١٣٨).
(٢) مجموع الفتاوى (٥/ ١٩٣)، و (٥/ ٥١٩)، و (١١/ ٢٤٩ - ٢٥٠).
(٣) اجتماع الجيوش الإسلامية (ص ٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>