قال: «ومن قول أهل السنة: إن الله ﷿ خلق العرش، واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق، ثم استوى عليه كيف شاء، كما أخبر عن نفسه في قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥]، وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ﴾ [الحديد: ٤]؛ فسبحان من بَعُدَ وقَرُبَ بعلمه، فَسَمِعَ النَّجوى.
أشار هنا إلى خلق العرش وذكر بعض صفات العرش وخصائصه
فأما خلق العرش وهيئته فإن أول صفة تذكر لعرش البارئ ﷾ كونه مخلوقاً من مخلوقات الله تعالى، ذلك لأن كل ما على الوجود هو مخلوق خلقه الله تعالى وأوجده، قال الله تعالى ﴿ذَلكُمُ الله رَبُّكم لا إِلهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيء﴾ [الأنعام ١٠٢]، فكل شيء في هذا الكون مخلوق والعرش من ضمن هذا الكون فهو مخلوق أيضاً.
وسلف الأمة وأئمتها يقولون: إن القرآن والسنة قد دلا على أن العرش مخلوق من مخلوقات الله تعالى خلقه وأوجده، قال تعالى ﴿وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ [التوبة ١٢٩]، فالعرش موصوف بأنه مربوب وكل مربوب مخلوق، فالعرش مخلوق من مخلوقات الله.
وقد دلت الآيات والأحاديث على أن خلق العرش متقدم على خلق السموات والأرض، قال تعالى ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء﴾ [هود ٧]، فالآية تدل على أن العرش كان موجوداً على الماء قبل خلق السموات والأرض ويؤيد تفسير الآية بهذا المعنى حديث عمران بن حصين ﵁ الذي جاء فيه أن النبي ﷺ قال:"كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات والأرض"(١).
(١) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قوله تعالى ﴿وَهُوَ اَلّذِي يَبْدَأُ اَلخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيهِ﴾. انظر: فتح الباري (٦/ ٢٨٦، رقم ٣١٩٠).