للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ثم قال: «باب الإيمان بالحجب:

قال: ومن قول أهل السُّنَّة: أن الله بائنٌ من خلقه، يَحتجب عنهم بالحُجب، فتعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا؛ ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾ [الكهف: ٥]، وذكر آثارًا في الحُجُب».

من عقيدة أهل السنة والجماعة: أنَّ الله مُحتجب عن خلقه بالحُجُب، لا يَستطيع أن يَراه أحد في الدنيا؛ لأن الأبصار والأجسام خُلِقت في الدنيا للفناء، فلو كشف الله هذه الحُجُب حال وجود الناس في الدنيا لأَحرقت سُبُحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، ولاندكَّت كما اندك جبل موسي؛ والله أعلم بكيفية هذه الحجب ومقدارها، لكن يوم القيامة تُرَكَّب الأبصار للبقاء وتُعطى قوة لم تكن لها حال خلقها في الدنيا؛ لذا تحتمل النظر إلى جَبَّار السموات والأرض.

وقد جاءت الأدلة بإثبات الحجب؛ ومن ذلك قوله : ﴿وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيًا أو من وراء حجاب﴾ [الشوري: ٥١].

وعن أبي موسى الأشعري قال: «قام فينا رسولُ الله بخمس كلماتٍ فقال: «إنَّ الله ﷿ لا يَنام ولا يَنبغي له أن ينام؛ يَخفض القسط ويرفعه، يُرفع إليه عملُ الليل قبلَ عمل النهار، وعملُ النهار قبل عمل الليل. حجابه النور، وفي رواية: النار، لو كَشَفه لأحرقت سُبُحات وجهه (١) ما انتهى إليه بصرُه من خلقه» (٢).

والنصوص والآثار في ذلك كثيرة، وقد عقد الأئمة في هذا الموضوع أبوابًا وأوردوا فيه النصوص والآثار الدالة على ذلك؛ قال الإمام الدارمي في كتابه «الرد على الجهمية» (ص ٧١ - ٧٣): «باب الاحتجاب»، وساق بعض النصوص والآثار في ذلك، ثم قال: «مَنْ يَقدر قَدْرَ هذه الحجب التي احتجب الجَبَّار بها؟ ومَن يعلم كيف هي غير الذي أحاط بكل شيء علمًا، ﴿وأحصى كل شيء عددًا﴾ [الجن: ٢٨]؟ ففي


(١) سبحات وجهه: نوره وجلاله. انظر: «شرح النووي على مسلم» (١/ ٣١٩).
(٢) رواه مسلم (١٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>