للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

استوى إلى السماء وهي دخانٌ، فقال لها وللأرض: ﴿ائتيا طَوْعاً أو كَرْهاً﴾؛ لم يلزم من ذلك أن تكون هذه الأفعال من جنس ما نشاهده من نُزول هذه الأعيان المشهودة، حتى يُقال: ذلك يَستلزم تفريغ مكان وشَغل آخر» (١).

فأحاديث النزول مُتواترة، ومنها الحديث المَشهور: «يَنْزِلُ رَبُّنَا ﷿ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِى فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ وَمَنْ يَسْأَلُنِى فَأُعْطِيَهُ؟ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِى فَأَغْفِرَ لَهُ» (٢)، ومع ذلك يغالط البعض؛ فينكرون نزول الله !

وقول السلف هنا: «من غير أن يَحُدُّوا فيه حدًّا»، معناه: أننا لا نعلم كيفية ذات الله حتى نعلم كيفية نزوله؛ فلذلك فسؤال السائل: كيف ينزل؟ هو مثل سؤاله: كيف استوى؟ سواء بسواء؛ فلا يُسأل عن كيفية نزوله كما لا يسأل عن كيفية استوائه؛ لأنه لا يَعلم كيفية استواء الله على عرشه، ولا كيفية نزوله إلى السماء الدنيا إلا هو .

لذلك قال أئمة السلف هذه العبارة: «من غير أن يَحُدُّوا فيه حدًّا»، أي: لا يستطيعون وصف كيفية هذا النزول؛ فالله قد أخبرنا عن طريق رسوله : أنَّه يَنزل، فما علينا إلا أن نُؤمن بذلك، ولا سبيل لنا بعد ذلك إلى معرفة كيفية نزوله .

وهؤلاء المُؤَوِّلُون يُحدثون شُبهًا في ذلك؛ مثل قولهم: ثُلُث الليل يختلف في مكان عن آخر، فكل بلد لها ثُلُث ليل، فكيف يَنزل ربُّنا؟!

والجواب: أن النبي قد أخبر عن الله فقال: «يَنْزِلُ رَبُّنَا ﷿ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ … »، فلا سبيل لنا إلى معرفة كيفية هذا النزول، والله يسمع كل شيء، ويبصر كل شيء، ولا يعزب عن علمه شيء، ولا يشغله شأن عن شأن، ولا نعلم كيفية ذلك، لذا لا نستطيع أن نحدد كيفية نزوله إلا بعد معرفة كيفية ذاته، ولا سبيل لنا إلى معرفة ذلك إلا عن طريق الخبر عن النبي ، وقد جاء الخبر بنزوله ؛ فيجب أن نؤمن به، ونعتقد صِدْقَه، وأما السؤال عن الكيف، فلا شكَّ أنَّ الكيف مجهول، وأنَّ السؤال عنه بدعة، كما هو حال السؤال عن الاستواء.


(١) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (١٧/ ٣٥٠).
(٢) انظر: «صحيح مسلم»، كتاب (الفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ)، بَاب (ذِكر ابنِ صَيَّادٍ)، برقم (٢٩٣٠)، والترمذي (٢٢٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>