للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وبهذا يتبين لنا أن هذا الباطل الذي ذهب إليه هؤلاء المعطلة إنما هو مركب من فساد العقل والكفر بالسمع، وذلك لأنهم إنما اعتمدوا في نفي تلك الصفات على شبه عقلية ظنوها بينات وهي في الحقيقة شبهات.

وبناء على المسلك الثاني الذي سلكه هؤلاء المعطلة من تأويل تلك النصوص، فقد تعددت أقوالهم واختلفت في المعنى الذي يجب أن يؤول إليه لفظ الاستواء الوارد في الآيات إلى عدة أقوال منها:

القول الأول:

من هؤلاء المعطلة من يؤول معنى الاستواء في قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ على الاستيلاء والقهر والغلبة.

وهذا القول يذهب إليه كثير من الجهمية (١)، والمعتزلة (٢)، والحرورية (٣)، وكثير من متأخري الأشاعرة (٤)، كسيف الدين الآمدي (٥)،

والغزالي (٦)، والبغدادي (٧)، وغيرهم.

وقد استدل هؤلاء المعطلة على صحة زعمهم هذا بأن تأويل الاستواء بالاستيلاء أمر مشهور في لغة العرب من ذلك:

قول الشاعر:

قد استوى بشر على العراق … من غير سيف ولا دم مهراق

وقال الآخر:

هما استويا بفضلهما جميعاً … على عرش الملوك بغير زور

وقال الآخر:

فلما علونا واستوينا عليهم … تركناهم صرعى لنسر كاسر

وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر-رحمه الله تعالى-أن بعضهم قد احتج بما رواه عبد الله بن داود الواسطي عن إبراهيم بن عبد الصمد عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾،


(١) انظر مجموع الفتاوى (٥/ ٩٦)، ومختصر الصواعق (٢/ ١٤٤).
(٢) متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار (١/ ٧٣، ٣٥١).
(٣) انظر مجموع الفتاوى (٥/ ٦٦)، ومختصر الصواعق (٢/ ١٤٤).
(٤) انظر تحفة المريد على شرح جوهرة التوحيد (ص ٥٤).
(٥) انظر غاية المرام (ص ١٤١).
(٦) انظر الاقتصاد في الاعتقاد (ص ١٠٤).
(٧) شرح الأصول الخمسة (ص ٢٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>