للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

استعماله في أكثر موارده كذلك، فإذا جاء في موضع أو موضعين بلفظ استوى حمل على معنى استولى لأنه المألوف المعهود.

أما أن يُؤتى إلى لفظ قد اطرد استعماله في جميع موارده على معنى واحد فيدعى صرفه في الجميع إلى معنى لم يعهد استعماله فيه، فهذا أمر في غاية الفساد ولم يقصده ويفعله من قصد البيان، هذا لو لم يكن في السياق ما يأبى حمله على غير معناه الذي اطرد استعماله فيه، فكيف وفي السياق ما يأبى ذلك (١).

ثانياً: ومما يرد هذا التأويل الباطل أن كلمة استوى قد جاءت بعد "ثم" التي حقها الترتيب والمهلة، فلو كان المعنى القدرة على العرش والاستيلاء عليه لم يتأخر ذلك إلى ما بعد خلق السموات والأرض، فإن العرش كان موجوداً قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف عام كما ثبت في صحيح مسلم عنه أنه قال: "إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء" (٢).

وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء﴾.

وفي صحيح البخاري عن عمران بن حصين عن النبي قال: "كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات والأرض" (٣).

فالآيات والحديثان يدلان دلالة واضحة على أن العرش كان موجوداً قبل خلق السموات والأرض فكيف يجوز أن يكون غير قادر ولا مستولٍ على العرش إلى أن خلق السموات والأرض (٤).

ثالثاً: أن الاستيلاء سواء كان بمعنى القدرة أو القهر أو نحو ذلك عام في المخلوقات كالربوبية، والعرش وإن كان أعظم المخلوقات ونسبة الربوبية إليه لا تنفي نسبتها إلى غيره كما في قوله تعالى ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ


(١) انظر مختصر الصواعق المرسلة (٢/ ١٢٨ - ١٢٩).
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب القدر (٨/ ٥١).
(٣) "أخرجه البخاري في صحيحه، كتب التوحيد، باب ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ﴾ (ح ٧٤١٨)، لفظ البخاري "كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض، وكتب في الذكر كل شيء.
(٤) مجموع الفتاوى (٥/ ١٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>