للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

«بل هو تعالى أعظم وأجل وأكبر، ألا تسمع إلى قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١]، وقوله: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ٤]، أي: لا شبيه ولا نظير ولا مساوي ولا مِثل، أَوَلَمْ تعلم أنه تعالى لما تجلَّى للجبل تدكدك لعظم هيبته وشامخ سلطانه (١)، فكما لا يتجلى لشيء إلا اندكَّ، كذلك لا يتوهمه أحد إلا هلك، فردَّ بما بَيَّن الله في كتابه من نفيه عن نفسه التشبيه والمِثل والنظير والكفؤ.

فإن اعتصمت به وامتنعت منه أتاك مِنْ قِبَل التعطيل لصفات الرب تعالى وتقدس في كتابه وسنة رسوله محمد ، فقال لك: «إذا كان موصوفًا بكذا أو وصفته، أوجب له التشبيه فأكذبه».

تذكر قول النبي في هذا: «حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ» (٢)، إذًا يفنى هذا الوجود كله لو كشف الحجاب، ثم يأتي أحدهم ويزعم أنه رأى الله ﷿. فكل هذا لا يخرج عن كونه أوهام وضلالات.

ثم قال: «فكما لا يتجلى لشيء إلا اندكَّ، كذلك لا يَتوهمه إلا هلك؛ فرُدَّ بما بَيَّن الله ﷿ في كتابه من نفسه عن نفسه»، يعني: ادفع التشبيه والتمثيل.

فينبغي أن تردَّ بالكتاب وبالسنة هذه الأوهام، التي قد تُوقع في التكييف أو التشبيه أو التمثيل، فإن اعتصمت بها وامتنعت منها جاءك الشيطان من باب آخر، وهو باب التعطيل؛ لأن مقصد الشيطان أن يَصرف الإنسان عن الله ﷿؛ لأن العلم بالله ﷿ يتم بمعرفة أسمائه وصفاته وأفعاله.


(١) قال الله تعالى: ﴿فَسَوْفَ تَرَانِي﴾ [الأعراف: ١٤٣].
(٢) انظر: «صحيح مسلم»، كِتَاب (الْإِيمَان)، بَاب (فِي قَوْلِهِ : «إِنَّ اللهُ لَا يَنَامُ»، وَفِي قَوْلِهِ: «حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ»، برقم (١٧٩)، وابن ماجه (١٩٥)، وأحمد في «المسند»؛ أَوَّل (مُسْنَد الْكُوفِيِّين) (١٩٥٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>