للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد رد الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى على هذا التعريف من عدة وجوه، ثم ذكر تعاريف أخرَ، وختم بقوله: "فالأولى أن يقال: هو رفع حكم شرعي بمثله مع تراخيه عنه" (١).

وأما تعريف الناسخ: فالناسخ: اسم فاعل من نسخ ينسخ فهو ناسخ، والناسخ حقيقة هو الله تعالى؛ فهو الذي ينسخ ما شاء بما شاء؛ كما قال تعالى: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾] البقرة: ١٠٦ [

وقد يطلق الناسخ على النص الذي رفع به الحُكم السابق، سواء كان آية أو حديثًا قوليًّا أو فعليًّا أو تقريريًّا من النبي .

وأما تعريف المنسوخ: فهو اسم مفعول من الفعل الثلاثي نسخ، نُسخ -بالبناء على المجهول-نسخًا، فهو منسوخ.

والمراد: الحُكم الشرعي الذي رُفع بدليل شرعي متراخٍ عنه؛ كمصابرة الواحد للعشرة، فهذا حكم منسوخ بمصابرته لاثنين، كما في سورة الأنفال.

وأما ما يقع فيه النسخ من الشريعة:

"فالشريعة نوعان: خبر وأمر.

أما النوع الأول: فهو الخبر يدخل فيه الماضي والمستقبل والوعد والوعيد، ويشمل ما أخبر الله تعالى به عن ذاته، وصفاته، وأفعاله، وما أخبر أنه كان، أو سيكون من مفعولاته، وما قص علينا من أخبار الأمم الماضية، وأخبار الرسل ودعواتهم، وما فعل بأعدائهم، وما أعده لأوليائهم، ويدخل فيه - أيضا - ما ذكره الله من أخبار خلق السموات والأرض، وما فيها من الأحياء والأشياء، وما ذكره من أخبار الجنة والنار، والحساب والعقاب، والبعث والحشر والجزاء؛ كل هذا ونظيره يدخل في جملة الأخبار، والتي يجب على المسلم مقابلتها بالتصديق والتسليم، ويعلم أنها كلها حق، مطابقة للأمر في نفسه، لا يجوز أن تختلف أو تتعارض - وإن ظهر شيء من ذلك فإنما هو عارض يعرض على الأذهان يزول عند التحقيق، والنظر الدقيق - ومن ثم فلا يجوز أن يدخل أخبار الله تعالى النسخ أو التبديل، بل هي محكمة ثابتة؛ لأنه تعالى إذا أخبر عن شيء فإنما يخبر بعلمه، وعلمه أزلي لا أول له، وهو مطابق للأمر في نفسه، علم ما كان، وما يكون، وما سيكون، فلو أخبر عن شيء أنه كان أو سيكون، ثم أخبر بنقيض ذلك أو برفعه، لكان ذلك خلفا


(١) إرشاد الفحول: ٢/ ٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>